للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تغضب زوجها فهل ينقص أجر صومها؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل إغضابي لزوجي ينقص من أجر صيامي؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين قائمة على حسن العشرة، والمودة والرحمة.

قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/٢١.

وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/١٩.

وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/٢٢٨

وعلى هذا فينبغي لكل واحد من الزوجين أن يكون حريصاً على إرضاء الآخر، وعدم فعل ما يغضبه أو يؤذيه.

وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: أَقَامَتْ أُمُّ صَالِحٍ (زوجته) مَعِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا اخْتَلَفْت أَنَا وَهِيَ فِي كَلِمَةٍ!

وقد شرع الله تعالى للزوجين كلَّ ما يجلب المحبة والمودة بينهما ويقويها، ونهاهما عن كل ما يضاد ذلك.

ولو علم الزوجان هذه القاعدة الشرعية في كيفية معاملة الزوجين أحدهما للآخر، لاستقامت الحياة، وكانت كما أرادها الله عز وجل سكنا ومودة ورحمة.

فكل واحد من الزوجين مأمور شرعا بكل ما يجلب المحبة ويقويها، ومنهي عما يضاد ذلك.

حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عن كثرة الصلاة والصيام إذا كان ذلك يضيع حق أهله

روى البخاري (١١٥٣) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ.

قوله: (هَجَمَتْ عَيْنُكَ) أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر. قوله: (نَفِهَتْ) أي كَلَّت.

ثانياً:

الصائم مأمور بحسن الخلق، حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتله أحد أو سبه أن لا يرد بالمثل، وإنما يصبر ويكف نفسه، ويقول: إني صائم.

روى البخاري (١٨٩٤) ومسلم (١١٥١) عن أبي هرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ) .

قال النووي:

(الرَّفَث) هُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلام. . . وَالْجَهْل قَرِيب مِنْ الرَّفَث , وَهُوَ خِلاف الْحِكْمَة وَخِلاف الصَّوَاب , مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل.

وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى باختصار.

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم) . صححه الألباني في صحيح الجامع (٥٣٧٦) .

واللغو هو الكلام الباطل. وقيل: ما لا فائدة فيه.

وروى البخاري (٦٠٥٧) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) .

قال الحافظ:

" َاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم. . .

قال السُّبْكِيّ الْكَبِير: ذكر هذه الأشياء في الحديث ينبهنا عَلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا.

وَالثَّانِي: الْبَحْث عَلَى سَلامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا , وَأَنَّ سَلامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ.

وَقُوَّة الْكَلامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لأَجْلِ الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلامَةِ عَنْهَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ " انتهى من فتح الباري بتصرف واختصار.

ثالثاً:

حق الزوج على زوجته عظيم، قال الله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/٢٢٨.

وإن كان غضبه بسبب امتناعها عن فراشه، كان إثمها أشد وأعظم؛ لما روى ابن خزيمة في صحيحه عن عطاء بن دينار الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رؤوسهم. . ذكر منهم: وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٤٨٥) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَات غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري (٣٢٣٧) ، ومسلم (١٤٣٦) .

وقد سبق في جواب السؤال (٥٠٠٦٣) بيان أن المعاصي تنقص ثواب الصوم، وقد تكثر المعاصي حتى تزيل ثواب الصيام بالكلية.

وإذا قصر أحد الزوجين في حقوق الآخر أو أغضبه كان ذلك سببا لنقص صيامه.

هذا ما لم يكن غضبه بغير حق، فإن بعض الأزواج يغضبون بغير حق، وبعضهم يغضب لاستقامة المرأة وصلاحها، فيكون مبطلا في غضبه، نسأل الله العافية.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>