للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعتياد الدعاء جماعة للمتوفى قبل الصلاة عليه

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن عندنا في ليبيا - وبالأخص في قريتنا - عند دفن الميت، وعند تسوية الصفوف في الصلاة عليه، وعند خروج الإمام من الصف للصلاة على المتوفى، قبل الصلاة مباشرة يقوم أحد من كبار البلد ورجالها بالدعاء للميت، ويعرف به إذا كان رجلا أو امرأة، ويدعو له بصوت عالٍ ثم تقام الصلاة.. بعض الناس قالو إن هذه العادة بدعة، ويجب التخلص منها، ولكن بعض الناس متمسك بها ويفعلها.... فخوفا من الفتنة والاختلاف، أرجو منكم إجابة على السؤال. أنا لا أحفظ نص الدعاء ولكن أقول لكم جزءا منه: " اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، وإن دار الدنيا هى دار ممر، والآخرة هي دار المستقر، وإنه - رجلا أو امرأة - اللهم اغفر - لها أو له -، وارحمه، وتجاوز عن سياته..... وهكذا "

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الذي يظهر أن اعتياد الدعاء جماعة: – شخصٌ يدعو وآخرون يُؤَمِّنُون – بعد أو قبل صلاة الجنازة متصلا بها عملٌ أقرب إلى البدعة منه إلى السنة، يدل على ذلك مجموعة من الأدلة:

١- لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه بل ولا عن أحد من أهل العلم فعلُه، وما كان هذا شأنه فالأصل فيه التوقف والتثبت حذرا من الوقوع في إثم الابتداع والزيادة في الدين. وانظر جواب السؤال رقم (١١٩٣٨)

٢- ويقوي ذلك أن صلاة الجنازة إنما شرعت للدعاء للميت، كما قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/٤٤) : " مقصودها الأعظم إجابة الدعاء " انتهى. فزيادة الدعاء جماعة قبلها أو بعدها كأنه زيادة عليها من جنسها، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز إحداث سجود أو ركوع قبل صلاة الفريضة أو بعدها، فكذلك الشأن في صلاة الجنازة.

٣- الثابت في السنة النبوية الحرص على الاجتهاد والإخلاص في الدعاء أثناء صلاة الجنازة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ) رواه أبو داود (٣١٩٩) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

وعن أَبي إِبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا) رواه الترمذي (١٠٢٤) وقال: حسن صحيح.. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وعن يزيد بن عبد الله بن ركانة بن المطلب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: اللهم عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه)

رواه الحاكم في "المستدرك" (١/٥١١) وقال: إسناده صحيح. وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص/١٥٩)

فانظر كيف تصف هذه الأحاديث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء في الصلاة، وليس قبلها أو بعدها مباشرة.

٤- ثم في هذا الدعاء جماعة - قبل أو بعد صلاة الجنازة مباشرة - مفسدتان اثنتان:

الأولى: التقصير في السنة، فإن من انشغل بالدعاء قبل صلاة الجنازة فتر عنه أثناءها، ومن انتظر الدعاء بعد الصلاة عجل فيها، وهذا هو واقع مَن يعتاد ذلك اليوم، لا يكادون يكبرون تكبيرة الجنازة الأولى حتى تتسارع التكبيرات لتنتقل بالمصلين إلى التسليم، فلا يبلغ الميتَ إلا كلماتُ الدعاء التي لا تغني عند الله شيئا إن لم يصاحبها قلبٌ صادق وعقلٌ حاضر.

وهذا مصداق ما جاء عن حسان بن عطية رحمه الله قال:

" ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة " انتهى. رواه الدارمي (١/٥٨) قال أخبرنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن حسان. وهذا إسناد صحيح.

المفسدة الثانية: المشقة الحاصلة بذلك، فالناس ينتظرهم وقت طويل لدفن الجنازة، والاستغفار لها بعد الدفن، ثم العناية بشأن أهل الميت، فاجتماع الدعاء جماعة قبل الصلاة أو بعدها مع كل ذلك فيه من المشقة الظاهرة.

وقد قال العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (ص/٤٥) :

" فإن قيل: هلا وجب تكرير صلاة الجنازة إلى أن يغلب على الظن حصول الإجابة؟ قلنا: لا تكرر، لما في التكرير من المشقة، ولا ضابط لغلبة الظن في ذلك " انتهى.

٥- وأخيرا: فالقاعدة في باب البدعة ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

" اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " رواه الطبراني (١٠/٢٠٨)

فأن يقف الناس على السنة الثابتة أولى من محاولة الاجتهاد في أمر يخشى أن يدخل في دائرة الابتداع، وهي كلمة عظيمة تنطلق من فهم حقيقي لموضوع السنة والبدعة.

وقد وقفنا على فتوى للجنة الدائمة (٩/١٦) ، فيها المنع من الدعاء بعد صلاة الجنازة – لأن بعض البلاد العادة فيها الدعاء بعد الصلاة – فيقاس عليها أيضا الدعاء قبلها:

السؤال:

اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً، فذهبت طائفة إلى أنها بدعة لعدم النل فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وصرح الفقهاء بعدم جوازه، وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسنيتها، فمن منهم على الحق؟

فكان الجواب:

" الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا وصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها، والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) - رواه أبو داود (٣٢٢١) -.

وبما تقدم يتبين أن الصواب: القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت، وأن ذلك بدعة " انتهى.

وأخيرا:

لا بد من التنبه إلى أن الممنوع هو اعتياد الدعاء جماعة قبل صلاة الجنازة أو بعدها مباشرة، لِما في صورتها من الزيادة الظاهرة في العبادة، أما إن دعا المرء منفردا قبل الصلاة أو بعدها أو أثناء دفنها وغير ذلك من المواضع، فلا حرج ولا إثم، بل يرجى أن يتقبل الله عز وجل فيه شفاعته ويجيب له دعاءه.

يقول الشيخ محمد بن إبراهيم – كما في "مجموع الفتاوى" (سؤال رقم/٨٩٨) -:

" أما الدعاء للميت بعد السلام من صلاة الجنازة فلا مانع منه إذا لم يكن على هيئة جماعية تلحقه بالبدع " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>