كيف يدعو صاحبه إلى السنة والجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[كيف لي أن أدعوَ أخًا لي مسلما، ولكنه صوفي، أَحسنَ إليَّ كثيرًا، يداوم على حضور دروس العلماء، ومع عدم وجود ناصر من العلماء ممن قد يساندوني في ذلك، مع علمكم بصعوبة الإقناع للصوفيين، وخصوصًا في الوسط ذاته، ومع العلم أنه يتهم السلفيين بأنهم تكفيريون، وغير ذلك؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك ومتابعتك لأخيك في أمور الدين، ولا شك أن من أكبر نعم الله على العبد أن يجعل قلبه حيًا نابضًا بالدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والداعية إلى الله يحتاج في دعوته إلى العلم والبصيرة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تأمل أيها الشاب المسلم الواعي الداعي إلى الله قوله تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/١٠٨.
أي: على بصيرة فيما تدعو إليه، وعلى بصيرة بحال المدعو، وعلى بصيرة في كيفية الدعوة، إذًا هناك شروط يجب مراعاتها، منها:
أولاً: أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالمًا بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظن أنه واجب وهو في الشرع غير واجب، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم به الله، وقد يدعو إلى ترك شيء يظن أنه محرم، وهو في دين الله غير محرم، فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم.
ثانيًا: أن يكون على بصيرة بحال المدعو: لا بد أن تعلم حال المدعو، ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله؛ لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال، وكان الأمر عليك لقوة جدله، صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق في كل حال.
ثالثًا: أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة، فأحث إخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني، وهم يعلمون أن الله تعالى يقول: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) البقرة/٢٦٩ " انتهى.
"فتاوى الحرم المكي" (ص/١٠٦٣- ١٠٦٦ بتصرف) .
وانظر سؤال رقم (٢٠٢٣) .
وينبغي هنا أن تتنبه إلى بعض الأمور:
أولاً:
لا تستعمل أسلوب التعميم، كأن تحكم على التصوف في أصل فكرته بالبدعة والضلال، أو تحكم على جميع المتصوفة بالضلال، بل عليك بالاحتراز في الكلام، كأن تقول له مثلاً: من فعل كذا أو قال كذا من الصوفية أو غيرهم فقد وقع في البدعة، أو نحو ذلك من العبارات.
ولم يحكم العلماء على التصوف جميعه بالضلال، بل قسموا التصوف إلى أقسام، ثم بينوا ما يوافق السنة منها وما يخالفها.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم:
" المتصوفة على قسمين: متصوفة سُنِّيِّين، ومتصوفة بدعِيِّين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن إبراهيم" (١/ رقم ١٩٢) .
وإن كان الغالب على الصوفية الآن الوقوع في البدع والضلالات.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (٤٩٨٣) (٤٧٤٣١) (٢٠٣٧٥) .
فيمكنك أن تدخل له من هذا المدخل، ثم تحاكم التصوف الذي يلتزمه صاحبك إلى الكتاب والسنة، فإن كان حقا فالحمد لله، وإن كان باطلاً رجع عنه إن شاء الله.
ثانيًا:
وأما اتهامه للسلفيين بأنهم تكفيريون، فهي تهمة سمعناها كثيراً، وتكفير من قام الدليل على تكفيره ليس عيباً ولا خطأً، بل العيب والخطأ هو عدم تكفير من دل الدليل على تكفيره، ونحن لا ننكر أن بعض من ينتسب إلى السلفيين قد تساهل في إطلاق لفظ الكفر، ولكن ليس هذا هو منهج أهل السنة والجماعة، فأهل السنة لا يكفرون أحدا بمجرد معصية فعلها، ولو كانت كبيرة، بل لابد من قيام الدليل الشرعي على أن هذا الفعل كفر، ثم توفر الشروط وانتفاء الموانع حتى يحكم على الشخص بأنه كافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب، ولا بمجرد التأويل، بل الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (٢٧/٤٧٨) .
وقال رحمه الله:
" وليس لأحد أن يُكفِّر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (١٢/٤٦٦) .
وبيّن رحمه الله أن أهل السنة لا يكفرون المخالف لهم، وإن كان مخالفهم يكفرهم - أحيانًا - قال رحمه الله:
" وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها، ولو ظلمهم، كا قال تعالى (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة/٨.
ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون لهم الشر ... ، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي " انتهى.
"الرد على البكري" (ص/٢٥٦ – ٢٥٨) .
ثالثًا:
إن لم يكن عندك من العلم ما يكفي لإقناعه، والإجابة عن الشبهات التي يحملها، فيمكنك إيصال الحق له عن طريق الكتاب النافع، والشريط المقنع، أو عن طريق زيارة أهل العلم في بلدكم أو في غيرها من البلاد، للسماع منهم وسؤالهم، وقد باتت وسائل الخير متيسرة لجميع الناس هذه الأيام – والحمد لله -، ولا تحتقرن شيئًا من ذلك، فلعل شريطًا تهديه إليه يكون سببًا في هدايته.
رابعًا:
لا تيأس من دعوته وهدايته، ولو طال الزمن، فكم من الناس تاب ورجع إلى الحق بعد سنوات من دعوته وتذكيره.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب