للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الموقف الشرعي من كتابات سيد قطب أخذاً وردّاً

[السُّؤَالُ]

ـ[هل نأخذ من كتابات سيد قطب العديدة على الرغم من تحذير بعض العلماء منه؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الأستاذ " سيد قطب " ليس من العلماء، فلا يُعرف له ترجيحات في الحديث، أو الفقه، أو التفسير، وإنما هو كاتب أديب، أحب الإسلام ودافع عنه، ودعا إليه وقد مات في سبيله ـ فيما يظهر لنا ـ ونسأل الله أن يكون من الشهداء.

وله كتابات متنوعة، فيها الصواب وفيها الخطأ، والعلماء الذين وقعوا في أخطاء في العقيدة أو الحديث أو الفقه: لم نرَ أحداً من أهل العلم حرَّم الأخذ منهم بالكلية، ولا من هجر النقل عنهم مطلقاً، هذا مع أن منهم دعاة لمذاهبهم العقيدية، ومتعصبة لمذاهبهم الفقهية، وهذا من إنصاف أهل السنَّة مع المخالفين.

والأستاذ سيد قطب ليس بعيداً عن هذا الإنصاف من أهل السنَّة، ولذا رأينا رؤوس أهل السنَّة في زماننا هذا ينقلون عنه مواضع من كتبه موافقة لاعتقاد ومنهج أهل السنَّة، ومن ذلك:

١. نقل عنه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في مقدمة كتابه " مختصر العلو " حوالي ثلاث صفحات، بدأها بقوله: " فها هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله ... ".

ومجرد النقل عنه لا يعد تزكية، لكن التزكية في الأوصاف التي مدحه بها الشيخ الألباني رحمه الله: "الأستاذ" "الكبير" "رحمه الله ".

٢. نقل عنه الشيخ صالح الفوزان حفظه الله أربع نقولات (من ص ٢١ – ٢٤) وذلك في كتابه " التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية ".

ثانياً:

علماؤنا الأجلاء تعلموا الإنصاف من شرع الله تعالى المطهَّر، وعلَّموه غيرهم، وربُّوهم على التخلق به، ومن الإنصاف عدم هجر كتابات سيد قطب بالكلية، كما أنه من الدِّين بيان ما أخطأ فيه لئلا يغتر بخطئه من يقرأ كلامه، وليس هذا خاصّاً بسيد قطب، بل حتى من انتسب للسنَّة فإن علماءنا الأجلاء قد حذَّروا من تقليده فيما أخطأ به، وقد صدرت فتاوى متعددة من علماء اللجنة الدائمة تحذَِّر من خطأ بعض أولئك المنتسبين للسنَّة، وأنهم وقعوا في اعتقاد مخالف.

وإن تعجب فعجبٌ ما نراه من بعض المنتسبين للسنَّة ممن طاروا بنقد إمام أو عالم لبعض كتابات سيد قطب، بينما خالفوا أولئك العلماء والأئمة عندما حذَّروا من خطأ شيوخهم! فقبلوا كلام العلماء في أناس وتركوه في آخرين، ومن أراد مثالاً لاتباع الهوى فليتأمل هذا المثال.

وهذه طائفة من أقوال العلماء في كتابات سيد قطب، يجمعها أمر واحد: أنه يؤخذ منها ما وافق الحق، ويُترك منها ما خالفه، وليس هذا الأمر خاصّاً بكتب سيد قطب دون غيره.

١. قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:

الرجل له كتاب " العدالة الاجتماعية " لا قيمة له، لكن كتاب " معالم على الطريق " له بحوث قيمة جدّاً.

شريط رقم: (٧٨٤) من " سلسلة الهدى والنور ".

- وفي الشريط ذاته قال الشيخ الألباني رحمه الله:

"أنا أعتقد أن الرجل ليس عالماً، لكن له كلمات في الحقيقة - خاصة في السجن - كأنها من الإلهام" انتهى.

- وفيه – أيضاً – قوله:

"الرجل ليس عالماً، لكن له كلمات عليها نور، وعليها علم، مثل " ... منهج حياة "، أنا أعتقد أن هذا العنوان كثير من إخواننا السلفيين ما تبنوا معناه، أن " لا إله إلا الله منهج حياة "، هذا الكلام الذي تكلمتُ عنه" انتهى.

٢. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

" سيد قطب " رجل ظهر على العالم الإسلامي بفِكر، واختلف فيه الناس بين ممجد، وقادح قدحاً شديداً جدّاً، فنود أن يبين شيخُنا لنا بياناً وافياً عن هذا الموضوع، وكيف يكون موقف المسلم نحو الرجل؛ لأن سيداً له أثر في العالم الإسلامي، وله آثار من كتب ومؤلفات، فنريد بياناً من فضيلتكم.

فأجاب:

"لا أرى أن يكون النزاع والخصومة بين الشباب المسلم في رجل معين، لا سيد قطب، ولا غير سيد قطب، بل النزاع يكون في الحكم الشرعي، فمثلاً: نعرض قولاً من الأقوال لقطب، أو لغير قطب، ونقول: هل هذا القول حق أو باطل؟ ثم نمحصه إن كان حقّاً: قبلناه، وإن كان باطلاً: رددناه، أما أن تكون الخصومة والنزاع بين الشباب، والأخذ والرد في رجل معين: فهذا غلط، وخطأ عظيم.

فسيد قطب ليس معصوماً، ومَن فوقه من العلماء ليسوا معصومين، ومَن دونه من العلماء ليسوا معصومين، وكل شخص يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيجب قبول قوله على كل حال.

فلذلك أنا أنهى الشباب أن يكون مدار نزاعهم وخصوماتهم على شخص معين أيّاً كان؛ لأنه إذا كانت الخصومات على هذا النحو: فربما يُبْطل الخصم حقّاً قاله هذا الشخص، وربما يَنْصُر باطلاً قاله هذا الشخص، وهذا خطر عظيم؛ لأنه إذا تعصب الإنسان للشخص وتعصب آخر ضده، فالذي يتعصب ضده سوف يقول عنه ما لم يقله، أو يؤول كلامه، أو ما أشبه ذلك، والثاني ربما يُنْكِر عنه ما قاله، أو يوجه ما قاله من الباطل.

فأنا أقول: لا نتكلم في الأشخاص، ولا نتعصب لأشخاص، وسيد قطب انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والله تعالى حسيبه، وكذلك غيره من أهل العلم.

أما الحق: فيجب قبوله سواء جاء من سيد قطب، أو من غيره، والباطل يجب رده سواء كان من سيد قطب أو من غيره، ويجب التحذير من أي باطل كُتِب أو سُمِع سواء من هذا، أو من هذا، من أي إنسان.

هذه نصيحتي لإخواننا، ولا ينبغي أن يكون الحديث والمخاصمة والأخذ والرد في شخص بعينه.

أما سيد قطب: فرأيي في آثاره: أنه مثل غيره، فيه حق وباطل، ليس أحد معصوماً، ولكن ليست آثاره مثلاً كآثار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فبينهما كما بين السماء والأرض، فآثار الرجل الأول هي عبارة عن أشياء أدبية وثقافية عامة، وليس عنده كما عند الشيخ الألباني في التحقيق والعلم.

ولذلك أنا أرى أن الحق يؤخذ من كل إنسان، والباطل يُرَد من كل إنسان، وأنه لا ينبغي لنا بل ولا يجوز لنا أن نجعل مدار الخصومة والنزاع والتفرق والائتلاف هو أسماء الرجال" انتهى.

" لقاءات الباب المفتوح " (١٣٠ / السؤال رقم ١) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>