للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحاديث الوعيد على من لم يقبل اعتذار أخيه المسلم

[السُّؤَالُ]

ـ[ما صحة حديث: (من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره، فعليه مثل صاحب مكس) ؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

ورد في عظم إثم من يرد اعتذار أخيه المسلم خمسة أحاديث، ولكنها كلها ضعيفة لا تصح:

الحديث الأول: عَنْ جُودَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ) .

رواه أبو داود في "المراسيل" (رقم/٥٢١) ، وابن ماجه في "السنن" (رقم/٣٧١٨) ، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص/١٨٢) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢/٢٧٥) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٦/٣٢١) ، وغيرهم. رووه جميعا من طريق وكيع، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن ميناء – وهو العباس بن عبد الرحمن بن ميناء - عن جودان به.

يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/١٩٠٧) : " العباس بن عبد الرحمن بن مينا ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان، ولذلك قال الحافظ في "التقريب": " مقبول ".

وجودان: لم تثبت له صحبة، وقال أبو حاتم: " جودان مجهول، وليست له صحبة ".

وفي "التقريب": " مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين " انتهى.

الحديث الثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنحو الحديث السابق.

من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، وقد ورد عن أبي الزبير من طريقين اثنين:

١- من طريق الليث حدثني إبراهيم بن أعين، عن أبي عمرو العبدي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٨/٢٨٣) والبيهقي في "شعب الإيمان" (٦/٣٢١) ، وقال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا أبو عمرو العبدي، ولا عن أبي عمرو إلا إبراهيم بن أعين، تفرد به الليث " انتهى.

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/١٥٥) : " فيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف " انتهى.

وضعفه العراقي رحمه الله في "تخريج أحاديث الإحياء" (٢/١٣٨) .

٢- من طريق الحسن بن عمارة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه.

رواه الحارث في المسند – كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (١/٢٦٩) – قال: حدثنا حفص بن حمزة، ثنا سيف بن محمد الثوري، عن الحسن بن عمارة.

ورواه ابن حبان في "الثقات" (٨/٣٨٨) ثنا أبو بدر، ثنا عمي الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح، ثنا أبي عن الحسن بن عمارة عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.

وهذا إسناد ضعيف جدا بسبب الحسن بن عمارة، فقد اتفق العلماء على تركه وضعفه. انظر: "تهذيب التهذيب" (٢/٣٠٧) .

الحديث الثالث:

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا تعف نساؤكم، وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض) .

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٦/٢٤١) وقال: " لم يرو هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير إلا عبد الملك بن يحيى بن الزبير، تفرد به خالد بن يزيد العمري " انتهى.

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٨/٨١) : " فيه خالد بن زيد العمري وهو كذاب " انتهى.

الحديث الرابع:

حديث أنس بن مالك بنحو حديث عائشة السابق.

أخرجه ابن عساكر في سباعياته -كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (٢/١٩٠) - من طريق أبي هدبة الفارسي، عن أنس بن مالك.

وأبو هدبة الفارسي هو إبراهيم بن هدبة: وهو كذاب، قال ابن حبان في المجروحين (١/١١٤) : " إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة، شيخ يروي عن أنس بن مالك: دجال من الدجاجلة، وكان رقاصا بالبصرة، يُدعَى إلى الأعراس فيرقص فيها، فلما كبر جعل يروي عن أنس ويضع عليه " انتهى.

وقال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب" (٢/١١٩) : " موضوع " انتهى.

وكذا في "السلسلة الضعيفة" (رقم/٢٠٤٣) .

الحديث الخامس:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه، محقا كان أو مبطلا، فإن لم يفعل لم يَرِدْ عليَّ الحوض) .

رواه الحاكم في "المستدرك" (٤/١٥٤) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: " بل سويد ضعيف " انتهى.

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (٣/٢١٨) : " سويد عن قتادة، هو ابن عبد العزيز: واهٍ " انتهى.

وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (رقم/٢٠٤٣) : " ضعيف الإسناد " انتهى.

والحاصل: أن جميع الروايات الواردة في هذا الباب ضعيفة لا تصح.

ثانيا:

إن ضعف الأحاديث الواردة في الوعيد على من لم يقبل عذر أخيه، لا يعني أن ذلك غير مطلوب، بل قبول معذرة المعتذر من مكارم الأخلاق، وأسباب المحبة والمودة.

قال ابن حبان رحمه الله في " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" (١/١٨٣) : " فالواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى، ولتقصير سبق، أن يقبل عذره ويجعله كمن لم يذنب؛ لأن من تنصل إليه فلم يقبل أخاف أن لا يرد الحوض على المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ومن فرط منه تقصير في سبب من الأسباب يجب عليه الاعتذار في تقصيره إلى أخيه.

ولقد أنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ...

إذا اعتذر الصديق إليك يوما ... من التقصير عذر أخ مقر

فصنه عن جفائك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر " انتهى.

وقال الإمام الغزالي رحمه الله:

" أما زلته في حقه – يعني زلة الأخ في حق أخيه - بما يوجب إيحاشه: فلا خلاف في أن الأَوْلى العفو والاحتمال، بل كل ما يحتمل تنزيله على وجه حسن، ويتصور تمهيد عذر فيه، قريب أو بعيد، فهو واجب بحق الإخوة " انتهى.

"إحياء علوم الدين" (٢/١٨٥-١٨٦) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>