مس الكافر للمصحف وعمله في طباعته أو تجليده
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمشرك أو الكافر من أهل الكتاب أو غيره أن يمس أي ورقة كتب عليها قرآن كريم أو يطلع عليها، وزيادة بالإيضاح نحن لدينا مطبعه ونطبع فيها المصحف الشريف، ولقد أصاب الآلة التي تطبع أوراق المصحف عطل فني لم نتمكن من إصلاحه، وتم استدعاء مهندس من الشركة المصنعة للآلة لإصلاح الخلل، وعندما تم الإصلاح من قبله، وأراد هذا المهندس من أهل الكتاب التأكد من المشكلة في الطبعة، أراد أن يلمس الورق المطبوع فيها آيات من المصحف الشريف، فتم منعه من ذلك، وسحبت الأوراق من تحت يده، واختلف الرأي: هناك فريق يقول لا يوجد حرج بأن يفحص ما تم طباعته للتأكد من أن المشكلة الموجودة في الآلة قد حلت، وفريق أخر يقول حرام أن يمس القرآن لأنه نجس، مستنداً بقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) تم بعد ذلك تغير العمل من طباعة المصحف إلى عمل آخر لكتاب لا يوجد فيه قرآن ليتم الفحص من قبل هذا المهندس.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ذهب جمهور الفقهاء إلى منع الكافر من مس المصحف، وتحريم تمكينه منه، لأنه إذا منِع المسلم غير المتوضئ من مس المصحف فالكافر من باب أولى، ولما يخشى من امتهانه المصحف، ولهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، كما روى البخاري (٢٩٩٠) ومسلم (١٨٦٩) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.
زاد مسلم: (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (٢/٨٥) : " قال أصحابنا: لا يمنع الكافر سماع القرآن، ويمنع مس المصحف. وهل يجوز تعليمه القرآن؟ ينظر إن لم يرج إسلامه لم يجز , وإن رجي جاز في أصح الوجهين " انتهى.
وقال الرملي رحمه الله: " ويمنع الكافر من وضع يده على المصحف لتجليده كما قاله ابن عبد السلام وإن رجي إسلامه , بخلاف تمكينه من القراءة لما في تمكينه من الاستيلاء عليه من الإهانة " انتهى من "نهاية المحتاج" (٣/٣٨٩) .
وقال الباجي في "المنتقى" (٣/١٦٥) : " ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه، إليه ذكره ابن الماجشون " انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية": " مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها: يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع , ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة: أنّ أبا حنيفة قال: إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع مطلقاً.
ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي: يمنع الكافر من تجليد المصحف وتذهيبه , لكن قال البهوتيّ: يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسٍّ أو حملٍ " انتهى (مصحف، فقرة ٣٠) .
وفيها أيضا: " ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز للكافر مس المصحف لأنّ في ذلك إهانةً للمصحف.
وقال محمّد بن الحسن: لا بأس أن يمسّ الكافر المصحف إذا اغتسل , لأنّ المانع هو الحدث وقد زال بالغسل , وإنّما بقي نجاسة اعتقاده وذلك في قلبه لا في يده " انتهى (كفر، فقرة ١٦) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ما حكم مس النصراني للمصحف، وكذلك مسه لترجمة معاني القرآن الكريم؟
فأجاب: " هذا فيه نزاع بين أهل العلم، والمعروف عند أهل العلم منع النصراني واليهودي وسائر الكفرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال: لئلا تناله أيديهم، فدل ذلك على أنهم لا يمكنون منه وإنما يمكنون من السماع، قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) الآية، يعني: يتلى عليهم حتى يسمعوه، ولكن لا يدفع إليهم القرآن. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك إذا رجي إسلام الكافر واحتجوا على هذا بأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم قوله جل وعلا: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية،
قالوا: هذه الآية العظيمة آية من كتاب الله وقد كتبها إلى هرقل. والصواب أنه ليس بحجة، وإنما يدل على جواز الكتابة للآية والآيتين من كتاب الله. أما تسليم المصحف فليس بثابت عنه صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة لكتاب ترجمة معاني القرآن فلا حرج في أن يمسه الكافر؛ لأن المترجَم معناه أنه كتاب تفسير وليس بقرآن، أي أن الترجمة تفسير لمعاني القرآن، فإذا مسه الكافر أو من ليس على طهارة فلا حرج؛ لأنه ليس له حكم القرآن، وحكم القرآن يختص بما إذا كان مكتوبا بالعربية وحدها وليس فيه تفسير، أما إذا كان معه الترجمة فحكمه حكم التفسير، والتفسير يجوز أن يحمله المحدث والمسلم والكافر؛ لأنه ليس كتاب القرآن ولكنه يعتبر من كتب التفسير " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (٢٤/٣٤٠) .
على أننا ننبه هنا إلى أن امتهان الكافر للمصحف - في مثل هذه الصورة المسئول عنها – غير ظاهر، بل يبعد هنا جداً. وإنما الامتهان الحقيقي – فيما يظهر لنا هنا – هو أن نقوم بطباعة صفحة من المصحف لا لشيء إلا لتجربة الآلة، وإذا كان أهل العلم قد اختلفوا في حكم الأوراق البالية من المصحف: هل تُحرق أو تُغسل، أو تمزق ومن منع من شيء من ذلك رأى أنه " خلاف الاحترام "
انظر: "البرهان في علوم القرآن للزركشي" (١/٤٧٧)
فكيف نعتمد طبع أوراق لمجرد التجربة، ثم نتخلص منها بعد ذلك؟!
وبناء على ذلك، فإذا أمكن فحص آلة الطباعة وتجربتها على غير المصحف، كما فعلتم، فهو الواجب ولا يجوز طباعة ورقة من المصحف لذلك الغرض، ما دام يمكن أن يتم بغير المصحف، وإذا فحص الكافر آلة الطباعة، وجربها من غير مس الأوراق المطبوعة، فلا حرج أيضاً.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب