للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كيف يتصرف مع أهل زوجته الذين يفعلون المعاصي الظاهرة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ي هو أن لزوجتي أختين متبرجتين ومبتعدتين تماماً عن الدين، باستثناء الصيام - على حد معرفتي في رمضان الماضي - لكنهن كثيرات السهر، ويتصرفن برعونة تامة، ويتعارفن مع الشباب عن طريق الإنترنت، والهواتف النقالة، وعن طريق الخروج الكثير، وغير المسئول من المنزل، وأنا أكرههما، لكني أعاملهما بالمعروف، وبدأت أتقصد في معاملتي معهما بشكل رسمي وفظ مؤخراً، من خلال عدم السلام باليد؛ لأنه ينقض الوضوء، وعدم النظر إليهنَّ لأنهنَّ غير مستورات بالكامل، وهذا منافٍ لقواعد الدين وشرعه، الذي يأمر بغض البصر، وأنا الآن في حيرة، هل أقطع علاقتي بهنَّ نهائيّاً وأمنع زوجتي من مكالمتهن، علماً بأن زوجتي هي أختهم الكبيرة، وهنَّ يعشنَ مع والدتهن بالقرب منَّا، وأبوهنَّ خارج البلاد، وأخوهن الوحيد خارج البلاد أيضاً؟ وهذا سبب حيرتي لأنهن نساء يعشن وحدهن دون رجل، ويعاملنني بلطف، ويخفن من زعلي، لكن عندما أنصحهن بالخير لا يستجبن، وأمهن التي هي حماتي لا تساعد على تربيتهن، وتقول لي إنهن بحاجة للخروج ليراهن الناس ويتزوجن! ، وأنا أخاف الله من قطعهن، لكني عاجز عن التحمل؛ نظراً لأن سمعتهن ساءت كثيراً، وهذا يؤثر على زوجتي المحافظة، وعليَّ أيضاً، وأكره المجاهرة بالمعاصي، وعدم الالتزام بشرع الله، فما العمل جزاكم الله خيراً؟ وهل يجوز أن نقاطعهن ـ تأديباً ـ لفترة شهر أو شهرين؛ علماً أنني قلت لحماتي بأنني غير راضٍ فغضبت وقالت: إذا قاطعتهن سوف أقطع علاقتي بابنتي - التي هي زوجتي -، وهذا سبب آخر يمنعني، لكن - والله شاهد على ما أقول - فهم توسعوا في المعاصي، والخطأ، دون أن يصلوا لحدِّ الكبائر، وأيضاً: حماتي غير ملتزمة دينيّاً، لكنها تصوم، وتتكاسل في أغلب الأحيان عن الصلاة، وعندما ننصحها تغضب وتقول: لا أحد يتدخل بيني وبين بناتي، الله وحده يحاسبنا.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأصهاره خيراً، وهذا من عظيم أخلاق الإسلام، ومع كون أصهار المسلم ليسوا من أرحامه، إلا أنه بسبب عقد الزوجية جُعل لأهل زوجته حق عليه بالعناية بهم ورعايتهم.

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً - أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْراً -) .

رواه مسلم (٢٥٤٣) .

قال النووي – رحمه الله -:

وأما الذمَّة: فهي الحرمة، والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم.

" شرح مسلم " (١٦ / ٩٧) .

وكما نلحظ فإن الحديث ليس فيه الوصية بأهل الزوجة مباشرة، بل بأهل بلدها، بل لم تكن مارية رضي الله عنها زوجة للنبي صلى الله عليه، بل كانت أمَته، وأم ولده إبراهيم، فالوصية بأهل الزوجة مباشرة أولى بالاهتمام والعناية.

ثانياً:

مع هذا فإن على المسلم أن يراعي حرمة الشرع، وأحكامه، وأنه إن كانت صلته بأهل زوجته مما يسبب له فتنة لنفسه، أو فساداً لزوجته وأولاده، أو طعناً في دينه وعرضه: فإن عليه أن يحتاط لذلك، ويجب عليه السعي نحو الحفاظ على ما أولاه الله تعالى من مسئوليات، ولو كان في ذلك قطع للعلاقة مع أهل زوجته المفسدين، أو هجر لهم بسبب خوفه على نفسه أو على زوجته وأولاده.

والذي يظهر لنا من خلال سؤالك أخي السائل أن بيت أصهارك ليس مما ينبغي لك الأسف عليه إن استمر حالهم على ما وصفتَ بعد النصح والتذكير، وأن بقاء الأمر على ما هو عليه قد ينعكس أثره السلبي على بيتك وأسرتك، فالرائحة المنتنة، حين تفوح، تشمل المكان كله، وسوء السمعة الذي تحدثت عنه: لن يقتصر أثره علي الفتاتين فقط؛ بل أنت وزوجتك وأولادك في الواجهة أيضا.

فاحذر أشد الحذر من التهاون في النصح، والوعظ، وإن رأيتَ ذلك غير مجدٍ، ورأيت أحوال الأختين على ما هي من السوء الذي وصفتَ: فننصحك بشدة أن تتخذ موقف الهجر من ذلك البيت، ولو أدى لقطع علاقة حماتك بابنتها، مع أننا نجزم أن كلامها فارغ، وأنها لن تصبر على ابنتها وأحفادها، بل يمكنك جعل ذلك ورقة " ضغط " عليها؛ لتصلح من حالها، وحال ابنتيها.

على أننا ننصحك، قبل أمر الهجر، وقطع العلاقة بهاتين الفتاتين وحماتك: أن تقوم بإعلام والدهما وأخيهما، المسافرين إلى الخارج، بحقيقة الحال، وأن تقنع الوالد بضرورة عودته، وبقائه في وسط أسرته، ونهوضه بمسؤوليته الواجبة نحوهما. فإن أبى فلتكن المحاولة مع أخيهما، فهما المسئولان ـ حقيقة ـ عن تلك الرعاية والقوامة على البنتين.

وقد يكون من الأنسب في هذه الظروف: أن تكون زوجتك هي التي تقوم بإيصال هذه الرسالة إلى والدها وأخيها. فإن لم تستطع، فمن الممكن أن يقوم بذلك ناصح أمين، ممن تعلم ـ يقينا ـ أنه على معرفة بحقيقة الحال.

ثالثاً:

ليس ما ننصحك به هو من الهجر المحرَّم، فنحن أولاً قلنا بوجوب النصح والوعظ، ثم قلنا إن مثل تلك المعاصي التي تفعلها شقيقات زوجتك من شأنها أن يكون لها أثر سيء عليك وعلى أهل بيتك، وهذا موجب للهجر بالإجماع.

قال ابن عبد البر – رحمه الله -:

وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته، وصلته: ما يفسد عليه دِينه، أو يولِّد به على نفسه مضرة في دينه، أو دنياه، فإن كان ذلك: فقد رُخِّص له في مجانبته، وبُعده، وربَّ صرْمٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطةٍ مؤذيةٍ.

قال الشاعر:

إذا ما تقضي الودُّ إلا تكاشرا ... فهجر جميل للفريقين صالح

" التمهيد " (٦ / ١٢٧) .

رابعاً:

ننبهك إلى ما لحظناه من خلال سؤالك أن علاقتك بشقيقات زوجتك فيها مخالفات شرعية، من حيث النظر، والخلطة، والمصافحة، وما ذكرته عن المصافحة من أنك امتنعت عنها من أجل نقض الوضوء: غير صحيح، بل هي محرَّمة لذاتها، وهي لا تنقض الوضوء بمجردها، وانظر جواب السؤال رقم (٨٥٣١) .

وخطأ آخر: وهو ظنك أن شقيقات زوجتك لم يفعلن شيئاً من الكبائر! ويبدو أن الكبيرة عندك هي " الزنا "! فحسب، وهذا خطأ، ووجه ذلك: أن تبرجهن، وعلاقتهن برجال أجانب من الكبائر، وتركهن الصلاة ليس من الكبائر فحسب، بل هو من الكفر المخرج من الملة.

خامساً:

والخلاصة:

١. انصح لأم زوجتك وأخواتها بتقوى الله والالتزام بطاعته، في الصلاة، والحجاب، وترك المحرمات، من التبرج، ومصاحبة الأجانب.

٢. خفف من زيارتك لبيت حماتك، وعلل ذلك بما هم عليه من حال لا يُرضي.

٣. إن لم يُجد ذلك، وتسبب لك علاقتك بهم وزيارتك لهم بالطعن في دينك وعرضك، أو بخوفك على زوجتك وأولادك أن يُفتنوا بهم: وجب عليهم هجرهم، حتى ينصلح حالهم.

٤. داوم أنت وزوجتك على الدعاء لأصهارك بالهداية، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضاه.

٦. وعليك الالتزام بالضوابط الشرعية في العلاقة مع الأجنبيات، حتى لو كن من أقربائك، أو أصهارك، وانظر جواب السؤال رقم: (١١٢١) ففيه تفصيل مفيد.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>