هل يعتبر كافلاً لليتيم إذا كان يدفع المال فقط لجمعية خيرية تكفله
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا كافل لأحد الأيتام في جمعية البر في جده بمبلغ ٢٠٠ شهريا تعطى لوالدة الطفل عن طريقهم وأنا لست مسؤولا عن أي شي آخر في الطفل غير الدفع فهل هذا ما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال (أنا وكافل اليتيم في الجنة) أرشدوني؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كفالة اليتيم من أعمال البر التي ندبنا إليها الشرع، ودل على أنها من أسباب دخول الجنة، بل من أسباب نيل أعلى درجاتها، ويكفي لحث المؤمن على الحرص عليها، قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما) البخاري (٥٣٠٤) .
قال ابن بطال، رحمه الله: (حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به، ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة) نقله ابن حجر في فتح الباري ١٠/٤٣٦
ثانيا:
إنفاق المال على اليتيم قد ورد الحث عليه بخصوصه؛ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (َإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ، مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (١٤٦٥) ومسلم (١٠٥٢)
لكن هذه النفقة ليست هي كل الكفالة التي ندب إليها الشرع، ووعد فاعلها المنزلة العظيمة في الجنة، وإنما هي نوع منها، وشعبة من شعبها، وإنما الكفالة التامة: القيام بأمره، والنظر في مصالحه الدينية والدنيوية، وتربيته، والإحسان إليه حتى يزول يتمه. قال ابن الأثير: (الكافل هو القائم بأمر اليتيم، المربي له) النهاية ٤/١٩٢، ولما عرف النووي، رحمه الله، في كتابه رياض الصالحين، كافل اليتيم بأنه القائم بأموره، قال شارحه: (دينا ودنيا، وذلك بالنفقة والكسوة، وغير ذلك) . دليل الفالحين ٣/١٠٣، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه؛ بما يصلحه في دينه من التربية والتوجيه والتعليم، وما أشبه ذلك، وما يصلحه في دنياه من الطعام والشراب والمسكن.) شرح رياض الصالحين ٥/١١٣.
ودخول مصالح اليتيم الدينية والتربوية في معنى الكفالة، ليس أقل من دخول المصالح المادية الدنيوية، بل هي أولى، كما أن قيام الأب على تربية أبنائه، وتأديبهم، أعظم من مجرد إنفاقه عليهم. قال الشيخ ابن سعدي ـ في تربية الإنسان لأبنائه ـ: (كما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم، فأنت قائم بالحق مأجور، فكذلك، بل أعظم من ذلك، إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة، والمعارف الصادقة، والتوجيه للأخلاق الحميدة، والتحذير من ضدها) بهجة قلوب الأبرار ١٢٨
وتلك هي الكفالة الحقيقية لليتيم؛ أن يربيه تربية ابنه، ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به، ويؤدبه أحسن تأديب، ويعلمه أحسن تعليم. فيض القدير للمناوي ١/١٠٨
واستظهر العراقي، رحمه الله، أن يكون هذا المعنى هو السر في مرافقة كافل اليتيم للنبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة؛ قال: (لعل الحكمة في كون كافل اليتيم.. شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي، أو منزلة النبي، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه ن ويرشده ويعلمه، ويحسن أدبه) نقله الحافظ في الفتح ١٠/٤٣٧
ثم إن الاقتصار على النفقة، لاسيما مع تباعد الأمكنة، يحرم العبد من واحد من أسباب لين القلب وقضاء الحوائج؛ وهو ضم اليتيم، والإلطاف له. قال صلى الله عليه وسلم: (أدن اليتيم، وامسح برأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، ويدرك حاجتك) السلسلة الصحيحة (٨٥٤)
والحاصل أن أعلى مقامات كفالة اليتيم هي أن يضمه الإنسان إلى ولده؛ فيربيه تربيتهم، وينفق عليه كما ينفق عليهم.
فإن لم يكن للكافل مال يسع اليتيم، أو كان لليتيم من المال ما يستغني به، وضمه الإنسان إلى أولاده، فهذا، وإن كان دون المنزلة الأولى، فهو من أعظم معاني الكفالة، ومن أعظم مقاصدها؛ حتى قال النووي رحمه الله: (وهذه الفضيلة تحصل لمن كفل اليتيم من مال نفسه، أو مال اليتيم بولاية شرعية) نقله ابن علان في دليل الفالحين ٣/١٠٤
فإن كان للإنسان مال ينفق منه على اليتيم، كحال السائل، فهذا على خير عظيم إن شاء الله، ويكفي أنه توقى من فتنة المال والشح به، وأدى شرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه: (لمن أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ) , لكن ليست هذه هي الكفالة التامة التي وعد صاحبها مرافقة النبي، صلى الله عليه وسلم، في الجنة، ولعله أن يحصل بإخلاص النية، وصدق الإرادة، ما عجز عن أن يناله بعمله، فعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيه؛ِ حَبَسَهُمْ الْعُذْر) رواه البخار (٢٨٣٩) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب