للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدعاء بتيسير الحرام هل يكون كفرا؟

[السُّؤَالُ]

ـ[إذا طلب المرء المعصية من الله سبحانه وتعالى (مثلاً يدعو أن ييسر له الزنا) هل هذا الكلام وهذا الطلب كفر؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا يجوز للإنسان أن يطلب من الله تعالى تيسير الحرام من الزنا وغيره، لأن الحرام يجب بغضه وكراهته وإنكاره بالقلب في أضعف الأحوال، وطلبه من الله تيسيره له ينافي ذلك، ولهذا كان هذا الدعاء محرماً، ومن الاعتداء في الدعاء.

قال القرافي رحمه الله في "الفروق" (٤/٢٩٦) : " القسم الثاني عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر: وهو ما استفاد التحريم من متعلقه وهو المدعو به؛ لكونه طلبا لوقوع المحرمات في الوجود. أمّا الداعي فكقوله: اللهم أمته كافرا أو اسقه خمرا أو أعنه على المَكس الفلاني [جباية المال ظلماً] أو وطء الأجنبية الفلانية أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية، أو يطلب ذلك لغيره إما لعدوه، كقوله: اللهم لا تمت فلانا على الإسلام، اللهم سلط عليه من يقتله أو يأخذ ماله , وإما لصديقه فيقول: اللهم يسر له الولاية الفلانية أو السفر الفلاني أو صحبة الوزير فلان أو الملك فلان , ويكون جميع ذلك مشتملا على معصية من معاصي الله تعالى، فجميع ذلك محرم تحريم الوسائل، ومنزلته من التحريم منزلة متعلقه , فالدعاء بتحصيل أعظم المحرمات أقبح الدعاء، ويروى: (من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى) ، ومحبة معصيته تعالى محرمة فدل ذلك على أن الدعاء بالمحرم محرم " انتهى.

وقال ابن القيم رحمه الله: " فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء، لا يحبه الله، ولا يحب سائله " انتهى من "بدائع الفوائد" (٣/٥٢٤) .

ولكن ... يجب أن يُعلم أن العاصي ـ وإن ارتكب المعصية ـ فإنه يجب عليه أن يكون كارهاً لها بقلبه، خائفاً من عقاب الله تعالى، فإن انسلخ من قلبه كراهة المعصية، والخوف من الله، فهذا لا يكون مؤمناً، ويُخشى على من يدعو بتسهيل المحرم له أن ينتهي أمره إلى هذا والعياذ بالله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذاً فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أومنافق " انتهى من "قاعدة في المحبة" ص ١٠٤.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

<<  <  ج: ص:  >  >>