يعاني من مرض في أنفه، فهل يترك الجماعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا أعاني من مرض في أنفي، بحيث تخرج منه رائحة كريهة، عرضت نفسي على الأطباء قالوا بأن هذا المرض ليس له علاج، فماذا أفعل؟ هل أواصل البحث عن سبب الشفاء من الأطباء، أو أتركه وأنتظر الاستجابة من الله؟ وهل أترك الصلاة مع الجماعة وحضور مجالس العلم لأني أؤذي من حولي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
بداية نسأل الله أن يَمُنَّ عليك بعافيته، ويرزقك الشفاء بِمَنِّهِ وكرمه، ونوصيك باحتساب الأجر عند الله سبحانه، فهو يجزي الصابرين بغير حساب، وابتلاؤه لعباده خيرٌ لهم في عاقبتهم، حيث يكفر به عنهم من سيئاتهم، ويرفع به من درجاتهم.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ) . رواه الترمذي (٢٤٠٢) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
كما نوصيك بالاجتهاد في البحث عن الدواء، ولا تتوقف عند قول بعض الأطباء، فكم من مرض يئس منه طبيب ثم جعل الله شفاءه على يد طبيب آخر، والبدائل العلاجية أصبحت متوفرة بكثرة في زماننا هذا والحمد لله، ويمكنك الاستعانة بالمتخصصين في الطب العربي أو الشعبي، فلعلك تجد عندهم ما يجعل الله فيه شفاءك، وقبل كل ذلك وبعده، لا تغفل عن سؤال الله العافية، والدعاء لا يأتي إلا بالخير، وإذا صدق فيه العبد يوشك أن يستجيب الله له.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ) .
رواه الترمذي (٢٠٣٨) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
ثانياً:
أما عن حكم حضورك الجماعة في المساجد: فإن كنت تخشى من إيذاء مَن بجوارك، ولا تستطيع أن تتفادى ذلك بأي وسيلة، كوضع طِيبٍ قوي الرائحة، أو تغطية الأنف عند الصلاة: فالواجب عليك حينئذ ترك الجماعة، فأنت صاحب عذر عند الله وعند الناس، وسيكون لك إن شاء الله تعالى أجر الجماعة وأنت في بيتك.
فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) . رواه البخاري (٢٨٣٤) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"قال العلماء: إن ما كان من الله، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يَخرج (يعني من المسجد) ، كالبخر في الفم، أو الأنف، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد.
فإن قال: هذا من الله؟ فيقال: إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد، ولا تؤذ الملائكة، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله.
فإذا قال: هذا ينقص إيماني؛ لأن صلاة الجماعة أفضل؟
قلنا: إنك لا تلام على هذا النقص؛ كما أن الحائض لا تصلي، وينقص إيمانها بذلك، ولا تلام على النقص؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه " انتهى.
" الشرح الممتع " (٥ / ١١٣، ١١٤) .
وسئل رحمه الله: أعاني من وجود رائحة كريهة من الأنف والفم , وأتحرج من الاختلاط بالناس، وأثناء تأدية الصلاة في المسجد؛ لأنني سمعت حديثاً أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، فهل لي الصلاة في المنزل؟ علماً أنني أصلي معظم الأوقات في المنزل إلا يوم الجمعة، فإنني أصليه في المسجد؟ أفيدوني وفقكم الله لما فيه الخير.
فأجاب:
"نسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء , وأنت لا حرج عليك إذا صليت في البيت الجمعة وغير الجمعة؛ لأنك معذور , وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا الذي فيك لصليت في الجماعة: فإنه يكتب لك أجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (٢٨٣٩) . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك.
ولكن أرجو أن تنظر هل إذا تطيبت بطيب زكي قوي الرائحة هل رائحته تغطي على ما عندك من الرائحة؟ إن كان الأمر كذلك فاحرص على هذا وتطيب به , أما إذا لم يفد فيه ذلك فأنت معذور , وإذا تطيبت بالطيب القوي الزكي الرائحة الذي تضمحل معه الرائحة الكريهة , فإنك تصلي في المسجد الصلوات الخمس وصلاة الجمعة " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (١٥ / السؤال رقم ١٠٧٠) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة، ويقول: إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة، وقال: إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فهل يجوز فعله هذا؟ .
فأجاب:
" نعم هذا عذر شرعي، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر، كما أن البصل والكراث عذر، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى.
" نور على الدرب " (شرط رقم ٢١٩، الدقيقة ١١) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب