للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سائلة يهودية تحدّث نفسها بالإسلام

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي سؤال صعب ولكن أملي الوحيد أن تستطيع الإجابة على سؤالي.

أنا يهودية روسية تعرفت على شاب مسلم منذ سنة وكلما زادت معرفتنا ببعضنا تزيد المشاكل التي نواجهها، ليست بسبب الدين أو العادات والتقاليد فنحن نحب بعضنا والموضوع هو هل يستطيع أن يتزوجني أم لا.

هو مسلم ممتاز وينتمي إلى عائلة تقليدية وأنا معجبة بمعتقده ودين أهله.

أنا مولودة في مدينة مغلقة وليس هناك مجال لعرض أو تقديم أي دين آخر فهذا ممنوع، وعندما حضرت إلى الولايات المتحدة اكتشفت أن معتقداتي لا تطابق اليهودية فقمت بالكثير من البحث عن الإسلام بعد معرفتي بهذا الشاب وكذلك شابان مسلمان وفتاتان مسلمتان وكذلك قراءتي للقرآن فأصبح عندي شعور قوي بأنني يمكن أن أكون مسلمة جيدة.

أنا أريد الآن أن أذهب إلى مدرسة لأتعلم الدين والتقاليد الإسلامية وخصوصا اللغة العربية.

اتصلت بالمسجد وكنت جاهزة للذهاب ولكن المشكلة هي هل يمكن أن يقبلوني كأي أخت مسلمة جديدة مثل الذين يسلمون من جميع الأديان المختلفة ما عدا اليهودية؟

اليهود والمسلمون دائما في خلاف ولا أظن أنه سيحصل سلام أبداً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله " لديّ شعور قويّ بأنني أستطيع أن أكون مسلمة جيدة " عبارة رائعة تلك التي جاءت في ثنايا رسالتك المنطوية على مشاعر مرهفة وتجربة ممتازة في البحث عن الحقّ.

" إنني أدعو الله (بلغتي الأمّ: الروسية) بأن يهديني إلى طريق الحقّ ". عبارة أخرى جاءت في آخر سؤالك يشعر معها القارئ المسلم بالتأثّر البالغ لحال امرأة لجأت إلى الله بعدما عرفت أنّه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ففزعت إليه تطلب الهداية إلى الدّين القويم. قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦) سورة البقرة، وابشري بهذا الانشراح للإسلام الذي تجدينه فقد قال الله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) سورة الأنعام ١٢٥

واعلمي أنّه ليس لدى المسلمين الذين يفقهون دينهم أي نوع من النفور أو عدم الارتياح تجاه أيّ أخ أو أخت أسلما واعتنقا دين الله مهما كانا أصلهما، وكون المسلم الجديد من أصل يهودي أو نصراني لا يجعل هناك أيّ نوع من التفرقة أو التمييز، ولنضرب مثلين من التاريخ الإسلامي على يهودي ويهودية دخلا الإسلام: أما الأول فهو أبو يوسف عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ، قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلائِكَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.. رواه البخاري ٣٠٨٢، وفي رواية للبخاري أيضا: " جَاءَ عبد الله بن سلام فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ فَو اللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا قَالُوا مَا نَعْلَمُهُ.. قَالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ قَالَ فَأَيُّ رَجُلٍ فِيُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ قَالُوا ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ قَالُوا حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ قَالَ يَا ابْنَ سَلامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ فَو َاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ فَقَالُوا كَذَبْتَ فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواه البخاري ٣٦٢١

هذا الرجل لم يمنعه أصله اليهودي من أن يكون من المبشرين بالجنّة قبل أن يموت فروى سعد بن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ الآيَةَ.. رواه البخاري ٣٥٢٨

وأما المرأة فهي صفية بنت حيي بن أخطب من يهود خيبر التي آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا.

لقد صارت صفية اليهودية التي أسلمت أمّا لنا جميعا نحن المسلمين لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ.. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَقَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ. رواه البخاري ٤٧٦٢

صفية رضي الله عنها التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم من معتكفه خصيصا ليرافقها إلى بيتها (والمعتكف لا يجوز له أن يخرج إلا لحاجة) ، فقد روى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا.. رواه البخاري ١٨٩٤

وفي رواية: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ لا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا.. رواه البخاري ١٨٩٧

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها ويحنو عليها كما وصف أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملته لزوجته صفية في السفر فقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءهُ بِعَبَاءة ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ رواه البخاري ٢٠٨١

هذه النماذج وغيرها تبيّن أنّ المسلم الجديد له مكانته في دين الإسلام مهما كان أصله يهوديا أو غيره، ولو حصل صدود من بعض المسلمين تجاه يهودي أسلم أو يهودية أسلمت فإنّ سببه الجهل والتقصير، أمّا موقف الإسلام فقد عرفتيه، فبادري أيتها السائلة إلى الدّخول في الإسلام فورا ونحن متفائلون لك بحياة سعيدة في ظلال هذا الدين.

بقي لنا ملاحظة نودّ إبداءها حول أمر ذكرتيه في رسالتك وهي قضية العلاقة بينك وبين الرجل المسلم المذكور في السؤال. إن هذه العلاقة لن تكون علاقة شرعية يرضى الله عنها إلا إذا قامت على أساس الزواج الذي شرعه الله سبحانه لعباده ورضي به طريقا لارتباط الرجل بالمرأة، ونحن نتصور في وضعك الذي ذكرتيه أن إسلامك وتوبتك ستفتح الباب وتمهّد الطريق للارتباط الشّرعي والصحيح بهذا الرجل المسلم.

نسأل الله لك التوفيق إلى الحقّ والثبات عليه وأن يعجّل لك الخير في الدّنيا ويرزقك الفوز بالجنّة في الآخرة، والله الهادي إلى سواء السبيل.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>