مريض وورَّى في معاملة التوظيف أنه معافى فهل يترك وظيفته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يعمل الآن في وظيفة، ولم يصدق في سؤال: "هل يعاني من مرض مزمن"؟ عندما تقدم لهذا العمل، بل ورَّى بقوله " لم يعاني "؛ لأنه حقيقة لم يعاني، هو مصاب بفيروس التهاب الكبد فقط، وهو مرض مزمن، ولم يجد منه أية معاناة، فهل تنصحه بترك العمل، خاصة وأن صاحب العمل لو يعلم بمرضه ربما لا يسمح له بالبقاء في عمله؟ وهل تنفعه التورية أم أنه يعتبر غير صادق في بياناته؟ وهل يلزمه شيء في المدة السابقة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بكل خلُق قويم، وحذَّرت من كل خلق ذميم.
ومن الأخلاق القويمة التي أمر بها ربنا تعالى: الصدق، وحذرنا من ضده وهو الكذب.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة/ ١١٩.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصِدقَ يَهدي إلى البّر، وإنّ البرّ يهدي إلى الجَنّةِ، وإنّ الرجُلَ ليَصدُقُ حتّى يُكتَبَ عِندَ الله صِدّيقا، وإنّ الكَذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنّ الفُجورَ يَهدي إلى النّار، وإنّ الرَجُلَ ليَكذِبُ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ كَذابا) رواه البخاري (٥٧٤٣) ومسلم (٢٦٠٧) .
ولعلَّك رأيت الكذب نافعاً لك، ورأيت الصدق مضرّاً لك، لذا فعلت ما فعلت من كتم المرض أن تدونه في معاملة التوظيف، وهو ما حذَّر منه سلف الأمة.
قال بعض الصالحين: عليك بالصدق حيث تخاف أن يضرك، فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك، فإنه يضرك.
فعلى المؤمن أن يزيِّن حياته بالصدق، والصادق لن تجده إلا متصفاً بصفات الكمال الأخرى.
قال ابن القيم رحمه الله:
"فالصدق بريد الإيمان ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه، بل هو لبه وروحه، والكذب بريد الكفر والنفاق ودليله ومركبه وسائقه وقائده وحليته ولباسه ولبه، فمضادة الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه" انتهى.
" زاد المعاد " (٣ / ٥٩٠) .
ثانياً:
التورية هي أن يُفهم المتكلمُ سامعَه شيئاً غير الذي في نفسه، ويكون الكلام محتملاً.
ولا يجوز للمسلم استعمال التورية إلا لتحقيق مصلحة شرعية، أو دفع مفسدة، أو لحاجة ماسة، ولا يحل له استعمالها في كل حين، ولا لأخذ ما ليس من حقه.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما هي التورية؟ وما الفرق بينها وبين الكذب؟ .
فأجاب:
"التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، والكذب: صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع. السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر.
الشيخ: لا يهم، هذا هو بُعد التورية، أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها.
أما الظالم: فلا تصح توريته، ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل، لم ينفعه، والمظلوم ينفعه.
ومَن ليس بظالم ولا مظلوم: من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح: أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه: اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً: فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث.
والخلاصة: التورية للمظلوم: جائزة، وللظالم: غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً: على خلافٍ بين العلماء، والراجح: أنها حرام" انتهى.
" لقاءات الباب المفتوح " (١٦١ /السؤال رقم ٩) باختصار.
وانظر جوابي السؤالين: (٢٧٢٦١) و (٤٥٨٦٥) .
ثالثاً:
الظاهر أن صاحب العمل يسأل هذا السؤال حتى لا يكون الموظف مصاباً بمرض يُقعده عن وظيفته، أو يكثر من تأخره وغيابه، أو يؤثر في حسن أدائه للعمل.
وبما أنك تعلم أن صاحب العمل لو علم بإصابتك بهذا المرض فإنه لا يسمح لك بالبقاء فيه، فالذي ننصحك به هو مصارحة صاحب العمل بهذا المرض، ثم يقرر بعد ذلك ما يراه.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب