الحمد لله رب العالمين، الذي قال في كتابه المبين:{وقوموا لله قانتين} ، وقال عن الصلاة:{وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد الخاشعين محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد
فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية، والخشوع فيها من المطالب الشرعية، ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم، وقال:{ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل، والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة وإضاعة أجرهم وثوابهم، ولما كان الخشوع أول ما يرفع من الأرض ونحن في آخر الزمان، انطبق فينا قول حذيفة رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مصلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعا. المدارج ١/٥٢١ ومما يلمسه المرء من نفسه ويسمعه من كثرة المشتكين من حوله بشأن قضية الوساوس في الصلاة وفقدان الخشوع؛ تتبين الحاجة إلى الحديث عن هذا الموضوع، وفيما يلي تذكرة لنفسي ولإخواني المسلمين أسأل الله أن ينفع بها:
فقد قال الله تعالى:{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}
أي خائفون ساكنون و" الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته. " تفسير ابن كثير ط. دار الشعب ٦/٤١٤ والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل المدارج ١/٥٢٠
ويروى عن مجاهد قال:(قوموا لله قانتين) : فمن القنوت: الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من رهبة الله عز وجل تعظيم قدر الصلاة ١/١٨٨
ومحل الخشوع في القلب وثمرته على الجوارح.
والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له فبه يأتمرون وعن أمره يصدرون فإذا عُزل الملك وتعطّل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرعية وهي الجوارح.