تعرف إلى فتاة ويسأل عن إتمام الزواج
[السُّؤَالُ]
ـ[هذه قصتي مع الهاتف، أنا شاب تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف، وتكلمت معها فترة طويلة لمدة خمسة شهور، وبعد مرور خمسة شهور قالت لي الفتاة إنها تخاف من كلامي معها؛ لأنه حرام، وعرضت عليها أن أتزوجها عبر الهاتف بأنها تقول لي: زوجتك نفسي، وأنا أقول لها: وأنا قبلت الزواج منك. وكان شرطها أنه زواج مع إيقاف التنفيذ؛ لأن شروطه غير مكتملة، وبعد ذلك تحدد يوم لمقابلة أمها وزوج أمها، وذهبت وطلبت الفتاة من أمها ووافقت الأم، ولكن زوج الأم رفض، وبعد فترة رفضت الأم هي الأخرى، وفي بعض الأحيان تقول انتظر حتى تنتهي البنت من الجامعة، وتطورت المسألة بيني وبين الفتاة في الهاتف، وبدأ الحديث يأخذ مجرًى آخر، أصبحنا نتحدث مثل الأزواج، وما زلت متمسكا بها أكثر من الأول؛ لأنها إنسانة طيبة والله أعلم، وبعد ذلك ندمنا على كل هذا، وبدأنا نحفظ القرآن، وهو شرطنا الآن حتى نتزوج، وفي يوم تحكى لي الفتاة قصة غريبة، أن أمها تركت أباها وهو في المستشفى في آخر أيام عمره، وطلبت منه الطلاق، وقالت له إنها تحب رجلا ثانيا، وبعدها توفي الزوج، وبدأت تدخل الرجل الثاني البيت، وسألتها الفتاة: من هذا؟ قالت لها: إنها متزوجة عرفيا، سألتها الفتاة عن شهور العدة. قالت لها: أنا منفصلة عن أبيك من أكثر من سنة، وبعد فترة انفصلت عن هذا الرجل، وتزوجت صديقه، والغريب أنه كان عنده علم، وبعد زواجها من هذا الرجل انشغلت أكثر من الأول عن أولادها بهذا الزوج الجديد، الذي يأخذ من أموال اليتامى لكي يرسل الأموال إلى الزوجة الأولى وأولاده، وبعد فترة أنجب منها. ملحوظة: حتى وقتي هذا لم أقابل هذه الفتاة، وهى تعرض علي أن أقابلها وأنا أرفض. هل هذا الزواج صحيح أم لا؟ هل أكمل الطريق مع هذه الفتاة أم أبتعد عنها؟ هل البنت لها ذنب في موضوع أمها؟ هل البنت ممكن أن تكون مثل أمها في يوم من الأيام؟ ماذا أفعل؟ دلوني بعد أن بدأت الفتاة في حفظ القرآن، وتعرف الصواب من الخطأ.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لقد كان الأحرى بك – أخانا الكريم – أن تسأل عن الحكم الشرعي قبل أن تُقدم على ما عملت، وليس أن تبدأ بالخطأ والمعصية ثم تسعى في التفتيش عن مخرج ينجيك مما قدمت يداك. ونحن نوجهها لك نصيحة ولجميع أبنائنا وإخواننا من شباب المسلمين أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله في قلوبهم وقلوب فتيات المسلمين، وألا يميلوا عن الصراط المستقيم الذي شرعه الله تعالى، حيث أمر باجتناب الفتن، والبعد عن طرق الهوى والشيطان.
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/٢١
ويقول تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة/٢٦٨
وقال سبحانه: (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء/٦٠
ويقول الحق عز وجل: (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) القصص/١٥
وأعظم الغفلة حين يعمى القلب عن مراقبة الله، وحين يفقد الحسَّ الإيماني الذي يلوم نفسه الخطاءة على معصيتها ويحثها إلى الطاعة، أو حين تقع النفس في المعصية فتشغلها الغفلة عن حقيقة معصيتها ببعض الرسوم والعوارض التي لا أهمية لها.
يقول ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص/٣٣) :
" فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد أبان عداوته من زمن آدم عليه الصلاة والسلام، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني آدم " انتهى.
إن الزواج الشرعي الذي أحله الله تعالى لعباده معروف معلوم، لا تسأل أحدا عنه إلا أخبرك: كيف يتزوج الناس في النور، ويفرحون، ويفرح لهم إخوانهم وأهلوهم: فالحلال بيِّن، والحرام بين!!
وأما ما فعلته ـ أنت وهي ـ من الزواج الهاتفي: تزوجيني، زوجتك..، فهذا كله ـ أيها السائل ـ لعب بآيات الله، وتعد لحدوده سبحانه: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: من الآية٢٣١) .
أين ولي الفتاة – وهو أخوها الأكبر، ثم عمها، وليس زوج أمها -.. وأين الشهود، وأين المهر، وأين الإعلان، أين هي علامات الزواج الشرعي وأماراته؟!!!
الطريق الصحيح أن تكرر طلب الزواج من الفتاة من ولي أمرها، وتنظر إليها النظر الشرعي كي يطمئن قلبك إلى صورتها ومظهرها، وتقطع خلال ذلك وقبله الحديث معها في أي موضوع حتى يتم الإيجاب والقبول بينك وبين ولي أمرها برضاها، ويحضر الشهود، ويدون العقد في السجلات الرسمية، فإن لم تُفلح في نيل رضى وليها فعليك بالمحاولة مرات أخرى بواسطة أهل الخير والفضل، والله سبحانه وتعالى يقدر لك الخير إن صدقت في طلب الحلال وأخلصت في الدعاء والاستخارة.
ولكن يجب قبل ذلك كله تقديم التوبة الصادقة بين يدي الله تعالى، وسؤاله العفو عما سلف من الزلل، ومعاهدته سبحانه على عدم العود.
وحين يتم الزواج بشروطه وأركانه فهو زواج صحيح، ووقوع والدتها في الإثم والخطيئة لا يعني بالضرورة مشابهة ابنتها لها، فكثير من الأسر العاصية يخرج من بينها أبناءٌ بررةٌ صالحون، والعكس كذلك، فإن كنت ترى فيها بوادر الخير والصلاح فاسْعَ في الزواج بها، ولا تترفع عنها بخطيئة والدتها، وأمر الهداية في يد الله عز وجل، ونحن لا نحكم إلا على الظواهر، والله يتولى السرائر.
وإلى أن يتم بينكم الزواج الحقيقي الذي شرعه الله، لا اللعب بآياته، والعدوان على حرماته، يجب أن يتوقف كل حديث بينكما، ولو في الهاتف، ولو كان ذلك الحديث عن القرآن الكريم؛ ومن يخادع الله يخدعه!!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب