هل تحبط الكبائر الأعمال الصالحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يقبل الله أعمال الزناة أم يجعلها هباءً منثورًا، وهل الزنا يحبط العمل، هل للزاني المُصر على الزنا حسنات عند ربه، أم أن حسناته لا ترفع حتى يتوب إلى الله، هل يقبل الله صيام وزكاة وصلاة الزاني، علما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي منادٍ: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له، إلا زانية تسعى بفرجها أو عشَّارا) وفي الحديث السابق ... فيجعلها الله هباء منثورا ... إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها؟ أرجو منكم التوضيح، وهل ما ذهبت إليه صحيح.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
من الثوابت التي يقررها القرآن الكريم، ويتفق عليها أهل السنة، أن المعاصي والكبائر لا تحبط حسنات المسلم جميعها، وأنه ليس ثمة ما يحبط عمل المسلم بالكلية إلا الكفر والشرك.
دل عليه قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/٢١٧.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (١٠/٣٢١-٣٢٢) :
" وأما الصحابة وأهل السنة والجماعة فعلى أن أهل الكبائر يخرجون من النار، ويشفع فيهم، وأن الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة، ولا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما لا يحبط جميع السيئات إلا التوبة، فصاحب الكبيرة إذا أتى بحسنات يبتغي بها رضا الله أثابه الله على ذلك وإن كان مستحقا للعقوبة على كبيرته. وكتاب الله عز وجل يفرق بين حكم السارق والزاني وقتال المؤمنين بعضهم بعضا، وبين حكم الكفار في " الأسماء والأحكام "، والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة يدل على ذلك، وعند أهل السنة والجماعة يُتقبل العمل ممن اتقى الله فيه فعمله خالصا لله موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره، ومن لم يتقه فيه لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره " انتهى باختصار.
والحديث المذكور في السؤال، وهو حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا.
قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ.
قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) .
رواه ابن ماجه في سننه (رقم/٤٢٤٥) ، والروياني في "المسند" (١/٤٢٥) ، والطبراني في "الأوسط" (٥/٤٦) و"الصغير" (١/٣٩٦) و"مسند الشاميين" (رقم/٦٦٧) ، والديلمي في "مسند الفردوس" (٧٧١٥) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٥٠٥) .
وهو من الأدلة على الأصل الذي ذكرناه، من أن بعض السيئات قد تحبط قدرا من حسنات المرء، وأجر علمه الصالح.
وانظر تفصيل ما ذكرناه في المسألة في جواب السؤال رقم (٨١٨٧٤) .
وأما الحديث الثاني الذي ذكرته، فهو حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنَادِي مُنَادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ إِلا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٌ) .
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (٩/٥٩) ، وفي "المعجم الأوسط" (٣/١٥٤) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/١٥٦) : رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٠٧٣) : إسناده صحيح.
على أن هذا ليس فيه حبوط عمله، ولكن فيه: عدم قبول دعاء الزاني المصر على زناه، وهذا معنى صحيح، فإن الكبائر من موانع قبول الدعاء، وكيف يستجيب الله عز وجل لمن هو باق على المعصية لا ينزع عنها ولا يتوب منها!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب