للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل للوالدين في التبني الحكم نفسه للوالدين الحقيقيين؟ وهل أبحث عن والديَّ؟

[السُّؤَالُ]

ـ[إذا تبنت عائلة غير مسلمة طفلاً , وعندما كبر هذا الطفل أصبح مسلماً , فهل يجب عليه أن يعتني بهم، وأن يحسن إليهم؟ فقد ورد أن على الانسان أن يطيع أبويه حتى ولو كانا غير مسلمين، ما لم يأمراه بمعصية , فهل ينطبق هذا على التبني؟ وفي حال أن هذا الطفل لم يرَ والديه الحقيقيين , لكنه علم فيما بعد أنهما لا يزالان على قيد الحياة , فهل يجب عليه أن يبحث عنهما، وأن يعتني بهما، حتى ولو لم يعرف الوالدان من يكون هذا الولد لأنهما لم يربياه؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

يُطلق " التبني " في عرف الناس ويُراد به أمران:

الأول: القيام على تربيته، والعناية به، مع عدم تغيير نسبه.

والثاني: القيام على تربيته، والعناية به، مع نسبة ذلك المُتبنَّى إلى أسرة المتبنِّي، وجعله واحداً من أفرادها.

ولا شك أن الأمر الثاني هذا كان جائزاً أول الإسلام، فنُسب زيد بن حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فصار اسمه " زيد بن محمد "، ونُسب " سالم " لأبي حذيفة، وكان يدعى: سالم بن أبي حذيفة، ثم لما شرع الله تعالى إبطال التبني، وأمر بأن يُدعى كل واحدٍ لأبيه من النسب، ومن لا يُعرف له أب: فيقال: فلان أخو فلان، أو: فلان مولى فلان: استجاب الناس لأمر الله تعالى، فنُسب زيد إلى أبيه " حارثة "، ودُعي سالم بـ " سالم مولى أبي حذيفة ".

قال تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/ ٥.

والنسب يتبعه كثير من الأحكام، كالرضاع، والحضانة، والولاية، والنفقة، والميراث، والقصاص، وحد السرقة، والقذف، والشهادة، وغيرها.

وأما الأمر الأول، وهو العناية بطفل، يتيم أو فقير، وتربيته كتربية المرء لولده، من غير تغيير نسبه الحقيقي: فليس بمحرّم، بل هو من أجلِّ الأعمال، وخاصة في حال كون ذلك المربَّى من الأطفال المشردين في الحروب، أو من الذين فقدوا أسرتهم جميعها في حادث، أو حرب.

وفي كلا الحالين السابقين لا تأخذ الأسرة المتبنية، أو المربية حكم أسرة الطفل الحقيقية، من حيث البر، والصلة، والطاعة؛ لأن ذلك إنما هو للوالدين في النسب.

وينظر جواب السؤال رقم (٥٢٠١) لبيان الفرق بين التبنِّي، وكفالة اليتيم.

ويُنظر جواب السؤال رقم (١٠٠١٠) في بيان الفرق بين الحالين السابقين.

وهذا لا يعني قطع العلاقة بالكلية مع تلك الأسر الثلاث، ولا يعني تحريم زيارتهم، والسؤال عنهم، وصلتهم، وبرهم، بل إن هذا من خلق الإسلام، وهديه، وإذا كان هذا من الواجبات مع الغرباء فإنه يتحتم أكثر تجاه من له فضل عليه بتربية، وعناية، ورضاعة، ومعرفة حق مثل هذا المحسن، ومكافأته على إحسانه: مما يعرفه كل ذي فطرة سليمة، وحث عليه أدب الشرع.

قال الله عز وجل: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ) الرحمن /٦٠.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) .

رواه أبو داود (١٧٦٢) والنسائي (٢٥٦٧) ، وصححه الألباني.

قال العظيم آبادي في عون المعبود:

" (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا) : أَيْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ إِحْسَانًا قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا (فَكَافَئُوهُ) : مِنْ الْمُكَافَأَة أَيْ أَحْسِنُوا إِلَيْهِ مِثْل مَا أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك} .

(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ) : أَيْ بِالْمَالِ،.. (فَادْعُوَا لَهُ) : أَيْ لِلْمُحْسِنِ؛ يَعْنِي: فَكَافِئُوهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، (حَتَّى تَرَوْا) : بِضَمِّ التَّاء أَيْ تَظُنُّوا، وَبِفَتْحِهَا أَيْ تَعْلَمُوا أَوْ تَحْسَبُوا، (أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) : أَيْ كَرِّرُوا الدُّعَاء حَتَّى تَظُنُّوا أَنْ قَدْ أَدَّيْتُمْ حَقّه. " انتهى.

وإنما الذي نقوله: إن هؤلاء، بمجرد الإحسان والتربية، لا يكونون كالآباء والأمهات، لا في الأحكام الشرعية، ولا في الحقوق والواجبات المتبادلة بينهم وبين هؤلاء الأبناء.

وقد ذكر علماء اللجنة الدائمة أمر التبني وتحريمه في الشرع المطهَّر، ثم قالوا:

تبيَّن مما تقدم: أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية، والحقوق الإسلامية، من الإخاء، والوداد، والصلات، والإحسان، وكل ما يتصل بمعاني الأمور، ويوحي بفعل المعروف.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٠ / ٣٤٧) .

وقالوا – في بيان العلاقة بين بنت متبنَّاة ومتبنيها -:

التبني لا يجعلكِ بنتاً لمن تبناكِ كما كان الحال في زمن الجاهلية، إنما القصد منه الإحسان، وتربية الصغير، والقيام بمصالحه، حتى يكبر، ويرشد، ويتولى شؤون نفسه ويستقل في الحياة، فنرجو الله أن يحسن إلى من أحسن إليك، لكنه ليس أباً، ولا محرَماً لك، فيجب أن تحتجبي عنه، شأنك معه في هذا كأي أجنبي، مع مقابلة إحسانه بالإحسان، ومعروفه بالمعروف، مع الحجاب، وعدم الخلوة.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٠ / ٣٦٠) .

ثانياً:

سواء كان الواقع أحد الأمرين السابقين في معنى " التبني ": فإننا نرى لزاماً على ذلك الرجل البحث عن والديه؛ لما يترتب عليه من أحكام شرعية، وآثار نفسية، فلا يُدرى السبب الحقيقي لابتعادهما عنه، وقد يكونان في حالة يُرثى لها نفسيّاً وبدنيّاً، ويكون بلسم شفائهما: رؤية ولدهم، وملامسته، كما حصل مع يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام.

والبحث عن الوالدين للقائهما، ورؤيتهما، والعناية بهما قضية فطرية، لا تحتاج إلى استدلال على جوازها – بل وجوبها – بأدلة من الكتاب والسنَّة، وحتى لو كان تخلي الوالدين عن ولدهم عن قصد: فإن ذلك لا يبيح للولد التخلي عنهما، ولا التبرؤ منهما، وقد سبق الكلام عن هذا في جواب السؤال رقم (١٠٤٧٦٨) فلينظر.

ويُنظر في بر الوالدين جوابي السؤالين: (٢٢٧٨٢) و (١٣٧٨٣) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

موقع الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>