للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تزعم عدم وجود دليل يوجب على الحائض قضاء الصوم

[السُّؤَالُ]

ـ[فتاة بالغة لا تريد قضاء الأيام التي أفطرتها في رمضان بحجة أنه لا يوجد هناك دليل شرعي لا في الكتاب ولا في السنة يوجب قضاء تلك الأيام. أطلب من فضيلتكم موافاتي بدليل من القرآن أو السنة لكي أنصح به تلك الفتاة.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

وجوب قضاء الصوم على الحائض حكم متفق عليه بين المسلمين، وقد دل عليه السنة الصحيحة والإجماع.

روى البخاري (٣٢١) ومسلم (٣٣٥) واللفظ له عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.

قال النووي رحمه الله:

هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلاة وَلا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم.

قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ اهـ.

قال الحافظ:

(أَحَرُورِيَّة) الْحَرُورِيّ مَنْسُوب إِلَى حَرُورَاء بَلْدَة عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْكُوفَة.

وَيُقَال لِمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب الْخَوَارِج حَرُورِيّ ; لأَنَّ أَوَّل فِرْقَة مِنْهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَة فَاشْتُهِرُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا , وَهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَة , لَكِنْ مِنْ أُصُولهمْ الْمُتَّفَق عَلَيْهَا بَيْنهمْ الأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيث مُطْلَقًا , وَلِهَذَا اِسْتَفْهَمَتْ عَائِشَة مُعَاذَة اِسْتِفْهَام إِنْكَار اهـ باختصار.

وقال ابن قدامة في المغني (٣/٣٩) :

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ , وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ , وَيَقْضِيَانِ , وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ اهـ.

قال النووي في "المجموع" (٢/٣٨٦) :

وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا , نَقَلَ الإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ اهـ.

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٢٥/٢١٩) :

ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يُنَافِي الصَّوْمَ فَلا تَصُومُ الْحَائِضُ لَكِنْ تَقْضِي الصِّيَامَ اهـ.

فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إجماع العلماء نقله غير واحد من أهل العلم.

فكيف يقال بعد ذلك: ليس هناك دليل على وجوب قضاء الحائض الصوم!

فعلى هذه المرأة التي أشارت إليها السائلة أن تتوب إلى الله تعالى من هذا القول المنكر، الذي فيه جرأة على شرع الله تعالى وأحكامه، والواجب على من لا يعلم أن يبحث ويسأل أهل العلم، ولا يجوز له أن يقول في دين الله تعالى بغير علم، فإن ذلك من المحرمات، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/٣٣.

وليعلم المسلم أنه مسئول عما يصدر عنه من قول، قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق/١٨.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة والفقه في دينه.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>