للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معاناة بين الزوج والأم؟!

[السُّؤَالُ]

ـ[لا أعلم كيف أبدأ بطرح المشكلة، كانت والدتي رافضة زواجي بسبب المال الذي تصرفه الدولة لي بسبب مرضي، فقررت أن أسجل بموقع زواج، ووقف أبي معي، وتم زواجي منذ أربعة شهور، ولكن دون أن يراني أو أراه، جاء إلى البيت مباشرة، وهو إنسان متزوج، وفقير، وزوجته الأولى تعمل، وتساعده في إيجار منزله، ولم يأت إلا يومين عند إجازته السنوية، وعند انتهاء إجازته يأتي يوماً واحداً، المغرب، ويذهب فجراً، حيث مكان عمله يبعد ثلاث ساعات، وسكنت مع والدي بسبب ظروفه المادية، ولكن والدتي ظلت تستهزئ بي أن زوجك هرب، أو: خرج ولم يعد، وتطلب مني مالاً، مصروفي الشهري: ألف درهم إماراتي، وأعطيتها خمسمائة، ولكن ظلت تطلب مني كل يوم مبلغاً مما جعلني في توتر مع زوجي، وهو لا يعلم ما أنا فيه، وتشاجرت معه، اتصلت به في عمله، وبعثت له رسائل، وهو مشغول جدّاً، فزعل، وعندما أخبرته من كلام والدتي أنه خرج ولم يعد: أخذ موقفا من والدتي، ولم يكن كما كان من قبل، منذ شهرين لم يتصل، أنا فقط أتصل به، وأحيانا لا يرد عليَّ، حاولت إرضاءه، ولكن دون جدوى، وأهديته هدية حتى تقربنا من بعضنا لكني أحس أنه جاف معي، لا أعلم ما هو الحل، والدتي سبب دماري.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الزواج عن طريق الفضائيات والمنتديات والمواقع لا يخلو من سلبيات، ولا نرى أن مثل هذا الزواج ينجح في غالب الأحيان، وثمة من يتخذه طريقاً للتسلية والمتعة، وثمة من تتخذه مجالاً للهو والعبث، ولا يسعى أولئك للاستقرار، ولا للبحث عن شريك حقيقي لإعمار بيت وإنشاء أسرة، والنادر لا حكم له، فلذلك نربأ بإخواننا وأخواتنا سلوك ذلك الطريق في البحث عن شريك بيت الزوجية.

ثانياً:

عدم رؤيتكِ للخاطب، وعدم رؤيته لك قبل الزواج فيه مخالفة للشرع، ومن حكمة الشرع في نظر الخاطب لخطيبته والعكس: أنه أحرى أن يؤدم بينهما، فنظر كل واحدٍ للآخر هو بداية القبول أو الرفض، وأما أن يفاجأ كل واحدٍ الآخر ليلة الدخلة: فهذا مما يخالف الشرع، والعقل؛ حيث يرسم كل واحد في مخيلته صورة لشريكه، وإذا به يفاجأ بغير الذي فيها، فتقع المشكلات، وتبدأ إجراءات الفراق.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا.

رواه مسلم (٢٤١٤) .

عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا.

رواه الترمذي (١٠٨٧) - وحسَّنه -، والنسائي (٣٢٣٥) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

قال الترمذي: ومعنى قوله " أحرى أن يؤدم بينكما ": أحرى أن تدوم المودة بينكما.

ثالثاً:

كان الأليق بوالدتك أن تحذو حذو والدكِ في تشجيعك على الزواج، والوقوف إلى جانبك، وهي تعلم أن في الزواج إعفافاً لكِ، وهو ما تسعى إليه الأمهات العاقلات، وما أسعدها من لحظة لدى تلك الأم الحنونة العاقلة، يوم ترى ابنتها تُزف إلى زوجها، ليساهما في إنشاء عش الزوجية، وتأسيس بيت على الطاعة والانقياد، يملؤه الحب، وتغمره المودة.

وفي الوقت نفسه لم يكن للزوج أن يغضب من كلمات أمك، فيهجرك، ويقطع مجيئه، فليس في كلام أمك الذي ذكرتيه ما يستوجب كل ذلك؛ ولعله كان يريد فرصة ليفعل ذلك، وما كلام أمك إلا ذريعة له ليتخلص من زواج لعله ليس له فيه رغبة.

وعلى كل حال: فيجب أن يكون لوالدك تدخل في الأمر، وعليه أن يبادر للقائه ومواجهته، والمصارحة الواضحة في الحديث معه، وعلى الزوج أن يقرر مصير زواجه هذا، فإما أن يرجع زوجاً ويعطيك حقك الذي أوجبه الله عليه، أو يسرحك بإحسان، ويعطيك حقوقك، ثم تسألين الله تعالى أن يؤجرك في مصيبتك، وأن يخلفك خيراً منها.

وليس للزوج أن يماطل، ولا أن يتلكأ في الجواب، ولا أن يكتم ما في قلبه، بل عليه إظهاره؛ لكي تحددي مصيرك، ولا تستمري في ذلٍّ لرجل قد لا يكون له رغبة باستمرار العلاقة الزوجية.

كما لا ينبغي له معاقبتك على كلام صدر من أمك، فليس لك ذنب به، ولا تتحملين آثاره، وقد أخطأتِ جدّاً بنقله – أصلاً – له.

رابعاً:

على الزوج إن رجع إليك أن يتقي الله فيك، وأن يحسن عشرتك، كما يجب عليه أن يعدل بينك وبين زوجته الأخرى في المبيت، والنفقة، والكسوة، ولا يحل له تفضيل زوجته الأولى بسبب غناها، ولا أن يسلبك حقوقك بسبب فقرك، إلا أن يحدث تنازل منكِ لبعض حقوقك من طيب نفس وخاطر، وقد أوجب الله تعالى على المعددين العدل بين نسائهم، وحذَّرهم من الظلم وسلب الحقوق.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ) .

رواه الترمذي (١١٤١) والنسائي (٣٩٤٢) وأبو داود (٢١٣٣) وابن ماجه (١٩٦٩) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله –:

الحديث معناه الوعيد في حق من لم يعدل بين زوجاته العدل المستطاع، وهو المساواة بينهن في الإنفاق، والمسكن، والملبس، والمبيت، والمراد بالشق هنا: نصفه، وميلانه: عقوبة له على جوره؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكما مالَ في معاملته لزوجته: أمال الله شقَّه، وجعل جسمه غير معتدل، عقوبةً له، وقد قال تعالى (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) - النساء/ من الآية ١٢٩ -.

" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٤ / ١٧٩، السؤال ١٩٤) .

وسبق الكلام على العدل بين الزوجات في أجوبة عديدة، فانظري رقم (١٠٠٩١) ، (٢٠٤٥٥) ، (٣٤٧٠١) .

خامساً:

اعلمي أن بر أمك واجب حتمي عليكِ، وأنه يحرم عليك عقوقها والإساءة إليها، ولو حصل منها ذاك الذي حصل، وإنما عليك بذل النصح لها، والتوجيه لأفضل الأقوال والأفعال بأحسن أسلوب.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ.

رواه البخاري (٥٦٢٦) ومسلم (٢٥٤٨) .

قال النووي – رحمه الله –:

وفيه الحث على بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب، فالأقرب، قال العلماء: وسبب تقديم الأم: كثرة تعبها عليه، وشفقتها، وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته، وخدمته، وتمريضه، وغير ذلك. " شرح مسلم " (١٦ / ١٠٢) .

وقد أحسنتِ في بذل نصف راتبك لأمك، ونسأل الله تعالى أن يخلفك خيراً مما بذلتِ، وأن يأجرك أجراً جزيلاً، وليس لأمك أن تضيِّق عليك بطلب ما ليس لها فيه حق، ولا يجب عليك دفع شيء من مالك لها إلا أن تكوني قادرة عليه، وتكون هي بحاجة ماسة له، وليس عندها من ينفق عليها، وليس للوالدين – أو أحدهما – أن يتسلطا على مال أولادهم، ويخطئ كثيرون في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك) ، وليس معنى الحديث الاستيلاء على مال الولد، ولا هو أنه يشارك ولده في تملكه، ولو كان هذا الفهم صحيحاً لأخذ الوالد المال كله عند وفاة ولده، وإنما معنى الحديث أن للأب – ويدخل فيه الأم – الحق في أموال أولادهم إن كانوا لا يملكون المال، وكان أولادهم قادرين على الإعطاء والإنفاق عليهم.

وقد بينَّا هذه المسألة بتفصيلٍ وافٍ في أجوبة الأسئلة: (١٣٦٦٢) و (٤٢٨٢) و (٨٢٧٦١) و (٩٥٩٤) .

ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، ويفرِّج كربك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>