للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الزواج من أجل الإقامة والجنسية، ومشكلة زوجة مع أحد هؤلاء

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد تزوجت منذ عشر سنوات تقريباً، وعندي أربعة أطفال - والحمد والشكر لله -، وزوجي - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة، ونحن نعيش في أمريكا، ولكن مشكلتي تكمن أن زوجي عندما خطبني أخفى عني أشياء من ماضيه، وهو أنه عندما أتى أمريكا ليحصل على الأوراق التي تؤهله للحياة هنا اضطر لأن يتزوج من أمريكيَّة، وبقي معها حتى حصل على الأوراق، ثم هجرها، فطلبت الطلاق بالمحكمة، وجاءته الورقة ليوقعها، ثم بعد شهر أو أكثر بقليل القاضي حكم بالطلاق، وبعد – تقريباً - شهرين أو أكثر أتت إليه طليقته، وعاشرها جنسيّاً، وحسب قوله أنه ليست في نيته أن يعود لها، أو أي شيء، فقد أتته طالبة ذلك، وفعل تلك الليلة، وبعد فتره رآها وسألها إن كانت حاملاً منه؟ وأجابت بالنفي، تكراراً، ثم ذهب زيارة لبلده لمدة ثلاثة أشهر، وعاد، وكان وضعه المادي سيئاً، ففكر بالذهاب إليها، ففعل، وعندها ذهب علم أنها حامل، فسألها عن الحمل، أجابت: منه، ولم يهتم للموضوع فقد كان صغيراً، وطائشاً، مع أنه يعلم أنها تكذب كثيراً بهذه المواضيع، فعندها طفلان من قبله، وأخبرته بنفسها بأن هذين الطفلين ليسا من زوجها الأول، وأن زوجها الأول توفي وهو يعتقد أن الأولاد أولاده، بعد ذلك تركها لفترة إلى أن التقى بها في أحد الأماكن، ووجد معها طفلة صغيرة سألها عنها أجابته: بأنها ابنته، المهم: حسب قوله إنه عاد ليعيش معها فقط بسبب سوء الأحوال المادية، فهو كان طالباً هنا، وكذلك السبب الثاني ليتأكد أن البنت ابنته أم لا، ورفضت طليقته أن تضع البنت باسمه، وطلب منها أن تتركه يقوم بفحص الأبوة كذلك، رفضت وبشدة، وبدأت المشاكل، وتفرقا، وفي البداية لم تعطه المجال ليرى البنت فأقام دعوى بالمحكمة، وسمحوا له برؤية البنت، وعليه أن يدفع مبلغاً من المال شهريّاً لها، وعندما فكَّر وبعض رفاقه نصحوه، أعطى الحضانة للأم، وتخلى عن البنت. سؤالي بخصوص زوجي: هل عليه أي واجب تجاه البنت؟ . أما أنا فمشكلتي: أنه عندما خطبني سمعت بعض الأقاويل عن زواجه، وعن وجود بنت، فأقسم بالله أن ذلك كذب، وأنه لم يمس المرأة، وأنا صراحة كنت متدينة كثيراً فصدَّقته؛ لأنني كنت أعتقد أن من يقسم بالله لا يكذب، المهم كل هذه السنين لم أعرف أي شيء، حتى الآن فهو أخبرني بنفسه كل هذه الأمور، كانت صاعقه لي، فأنا طوال هذه السنين أفكر أنني الأولى في حياة زوجي، صراحة لا أعرف لماذا أنا منزعجة أكثر، من كذبه عليَّ أم من غيرتي منها، مع أنها لا تستحق ذلك، وأنا أعلم علم اليقين أنه لا يفكر فيها، ولكن شعوري أنه كان يتردد عليها في الماضي لمدة أربع سنين تقريباً يتعبني كثيراً، مع أنه لا يكف عن سؤالي بأن أسامحه أحياناً، وأحيانا أخرى يقل لي: احمدي ربك أنني منذ عرفتك لم أعرف غيرك، وأنه ماضٍ بعيد، ولكني لا أستطيع أن أسامحه، حتى إن معظم الأحيان عندما يريد أن يعاشرني أصد منه، وأشعر كأنه معها، ربما تقول إن ردة فعلي مبالغ فيها، ولكن هذا ما يحصل معي، معظم وقتي أقضيه بالبكاء، حتى إنني فكرت بالانتحار عدة مرات، وطبيبتي أخبرتني أن عليَّ أن آخذ دواء نفسيّاً لمعالجة حالتي، ولكني لم أفعل، لن أفعل؛ لأنه إن بدأت به عليَّ أن آخذه سنه كاملة، وإلا حالتي ستسوء؛ وكذلك لأن له ردة فعل في بعض الأحيان تكون سلبيه، قبل معرفتي بتلك القصة كنت أشعر أنني أسعد زوجة في العالم، وأشكر الله دائما على ذلك، ولكن منذ عرفت أصبحت حياتنا جحيماً، فأنا لا أكف عن الأسئلة، مع أنه بعض الأحيان يجيب عليَّ ويعتذر، ويطلب المسامحة؛ لأنه لم يكن صادقاً، ويعلل ذلك بأن الهدف لأوافق عليه، وبعض الأحيان يضيق ذرعاً فينزعج مني، ويكرر أنه لم يفعل شيئاً، وأنه كان ماض بعيد قبل أن يتزوجني، وليس عليَّ محاسبته، أصبِّر نفسي بأنني أفضل بكثير من النساء اللاتي تزوج رجالهم عليهم، ولكن الشيطان يأتيني دائما لأتخيل كيف كانا يعيشان، وأفكر بأنني حرمت من حق الاختيار، فلو علمت لربما انقلبت الأمور، وكذلك وجود بنت مع أنه لم يرها منذ ستة عشر سنة، لقد طلبت منه عدة مرات أن نذهب إلى زوجته الأولى، فهي تعيش بمدينه أخرى أن نذهب لنتأكد هل البنت ابنته أم لا، مع أن عمُر البنت الآن عشرون سنة، وأنا ضمنيّاً أعلم إن كانت البنت ابنته ستدمر حياتي، وإن كانت ليست كذلك ربما يكون ذلك تخفيفاً لي، وهو لا يكف عن إخباري بأنه لا يستطيع التقرب منها؛ لأنه أعطى الحضانة للأم. أرجوك أخبرني ماذا أفعل، فأنا أسال الله دائما أن يصلح وضعي، ولكني أتحسن ليوم أو يومين، ويعود الهمُّ والحزن لي. أرجوك ساعدني، فأنا لا أعتقد أني أستطيع ترك زوجي، فأنا أحبه كثيراً، وكذلك تعبت من التفكير، حتى أعتقد أني سأجن إن بقيت كذلك. أرجوك سامحني، أطلت عليك، ولكن صراحة لم أجد غيرك أشكو له بعد الله. أدامكم الله ذخراً لنا، وللأمة الإسلامية، ودمتم بخير وعافية.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

أفعال زوجك في ماضيه ليست أنه تزوج وأخفى ذلك عنكِ، فقد وقع في مخالفات كثيرة، ولعلَّه لم يهمك من كل ما حدث معه سوى أنه كان متزوجاً! وأنكِ لستِ الأولى في حياته! وهذا عجب منكِ، وقد جعلتِ من هذا الأمر سبباً لتفكيرك بالانتحار! وسبباً لاحتمال إصابتكِ بالجنون! عدا عن القلق والحزن والنكد في حياتكِ، والله المستعان، ولنا معكِ وقفة بعد حين إن شاء الله.

ثانياً:

زوجكِ وقع في أخطاء كثيرة يحتاج معها التوبة الصادقة، والندم على ما فات، وتعويض ذلك بحسن الطاعة، والإكثار من الأعمال الصالحة، ومن هذه الأخطاء:

١. أنه سعى للإقامة في بلاد الكفر، من غير ضرورة ملجئة.

٢. زواجه المؤقت بتلك الأمريكية لحين الانتهاء من الحصول على الأوراق!

وهو زواج المتعة الذي نصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم على تحريمه، ولا يشترط أن ينص في العقد المكتوب على تحديد مدة انتهاء العقد، بل يكفي التلفظ به، والاتفاق عليه بين الطرفين.

٣. العبث بعقد الزواج لاستعماله في غير ما شُرع من أجله، فقد أصبح هذا العقد الذي تستحل به الفروج، وتعظم فيه الشروط لعبة في أيدي من يرغب بالإقامة في بلاد الكفر، ومن يريد القيام بالحج، ... !

٤. وأعظم ما وقع فيه زوجكِ هو: الزنا!

وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وهو محرَّم في كل الشرائع، ومنافٍ للفطرة والعقل.

وأما ابنته المزعومة: فعليه أن يتحرى ويتثبت من كونها ابنته، وعليه أن يسلك الطرق المتاحة لتثبيت نسبها له، وإنقاذها من تلك الديار، إن استطاع ذلك.

وقد سبق لنا في موقعنا التعرض لهذه الجزئيات، في أجوبة عديدة، يمكن لزوجك الرجوع إليها، إن كانت لديه رغبة في معرفة حكم ما وقع منه.

وعلى كل حال:

فالتفاصيل فيما فعله زوجك كثيرة، ومسائله تحتاج لمن يسمع ويستفصل منه، وحبذا أن يراجع مركزاً إسلاميّاً موثوقاً، أو يقابل عالماً ليوقفه على أفعاله وأحكامها.

ثالثاً:

واعلمي أنه لا يشترط في الرجل أن يخبر أنه كان متزوجاً، وإن سئل فلا يكذب، وإن كذب فقد أثم.

وانظري أنتِ ماذا فعل زوجكِ، وماذا ترتب على أفعاله، وانظري المخالفات التي وقع فيها، وأنتِ ليس لكِ همٌّ إلا أنه كان متزوجاً! وأخفى ذلك عنك.

يا أم الأربعة الأطفال، أبعد ذلك العمر كله، وبعد ذلك البيت المشيد، الذي عماده أربعة أطفال، تبحثين عن ذلك الماضي، وتشعلين نار الغيرة: أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى؟!

فكان ماذا؟! وما الضرر الذي نالك: أن لم تكوني أنت الزوجة الأولى، سواء كان ذلك برضا منك، أو كرها عنك.

لقد كنا نفكر معك، ونبحث معك، ونتشاور معك في أمر تلك الزيجة، وهل تناسبك أولا، لو كان الأمر في إبانه: قبل أن تتزوجي فعلا، فكيف الآن وقد تزوجت، فكيف وأنت أم لأربعة أطفال، تنبشين في خرائب الماضي؟!!

وما عسى أن يخرج لك من تلك الخرائب، إلا الشياطين والوساوس التي توشك أن تدمر حياتك؟!!

عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ!!) .

فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا!!

رواه أبو داود (٤٨٨٨) وصححه الألباني في صحيح الترغيب.

قد فات ـ يا أختاه ـ أوان تلك الغيرة القاتلة:

صحا القلبُ عن سلمى وأقصر باطله وعُرِّيَ أفراسُ الصبا ورواحلُه

فكيف وقد ذكرت أنت، أن زوجك " - والحمد لله - إنسان جيد بكل معنى الكلمة "؟!!

وأنتِ بما تذكرينه من حالكِ بعد أن علمتِ بزواجه من قبل إنما تكتبين نهايتك معه بتلك الأفعال، وإنما تحفرين قبر زواجك منه بتلك الحال، ولن نجامل في الجواب، ولا بدَّ من تنبيهك على عِظَم أخطائك وتصرفاتك معه، فهو في ظنه أنه أراد تحقيق مصلحة لنفسه، وأراد إعفاف نفسه، وهي أمور من الماضي، فلا تكثيري اللوم، وتسيئي معاملته وإلا دفعت ثمن ذلك غالياً! فامتناعك عن الفراش سبب لسخط الرب تبارك وتعالى، وسبب للعن الملائكة لك، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء عشرتك له قد يجعل الكيل عنده يطفح ولا يرى مجالاً للبقاء معك، حيث لا سعادة ولا هناء، ولا عشرة حسنة، فأي زوج يرضى بأن يطول أمد هذا معه؟ وأي حبٍّ تزعمينه وأنتِ تعاملينه بهذه المعاملة؟ وهل تعلمين أن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب؟ وهل تعلمين أن سوء عشرته من المحرمات عليك؟ .

وأنتِ ذكرتِ أنك تجزمين أنه لا يفكِّر فيها، وأن هذا من زمن بعيد، وأنه ليس في حياته إلا أنتِ، فأي سببٍ يجعلك تنكئين الجروح، وتنبشين عن الماضي الغابر الميت؟! .

نحن ننصحك بشدة: إن لم تغيري من معاملتك لزوجك، وتحسني له: فستفقدينه، وسترين نفسك تائهة ضائعة، تتنقلين بين مراكز العيادات النفسية، فارجعي لدينك، وحكِّمي عقلك، واتركي عنك القلق والحزن والكآبة، فليس لها أسباب، وأنتِ الملومة في كل ما يجري لك، ويترتب على أفعالك، وبما أن زوجك قد طلب منك المسامحة تكراراً فلم يعد مخطئاً في حقك، وعليك قبول اعتذاره.

إن السؤال الذي أجبت عنه أولا، وأنصفت زوجك الذي تشتكينه:

كيف حال هذا الرجل الآن مع ربه؟ ثم كيف حاله معك؟ وهل هو جدير بأن يؤتمن عليك، بالنظر إلى واقعه الآن، وبغض النظر عما كان منه في ماضيه؟!!

إن كانت إجابتك ـ كما ذكرت أولا ـ: أنه جيد بمعنى الكلمة؛ فالواجب عليك أن تساعديه على تجاوز ذلك الماضي الأسود، بدلا من أن تفتحي عليه أبواب العودة إليه، وليكن همك أن يتوب منه إلى ربه توبة نصوحا، وأن يكثر من الخيرات في حاضره ومستقبله، علَّ الله تعالى أن يتجاوز عنه ويغفر له: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .

وإن لم تستطيعي العيش مع هذا الزوج، وذلك الماضي فخلِّصي نفسك من هذه الحياة بطلب الخلع، أو افتدي نفسك ليطلقك!

لكن عليك أن تسألي نفسك أن تفعلي شيئا من ذلك: هل أنت بذلك تبحثين عن السعادة حقا، وتسلكين طريقها صدقا؟!!

أو أنك، والعياذ بالله كعنز السوء التي بحثت عن حتفها بظلفها، وصاحبة المثل في كتاب الله التي نقضت غزلها من بعد ما أحكمت غزله ونسجه، فجعلته خيوطا متناثرة، لا نظام لها!!

نحن نجزم أنك لن تكوني مرتاحة ولا سعيدة إن بقيت على حال التفتيش في الماضي وسوآته، أو أخربت بيتك، وهجرت زوجك وأولادك لمجرد كابوس الماضي!!

فحافظي على زوجك وأسرتك، وأظهري له الحب والمودة، وأسمعيه ما يحب سماعه منك، واتركي التفكير في ماضيه وما حصل منك.

ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما يحب ويرضى، وأن يجمع بينكما على البر والتقوى، وأن يهديك ويصلح بالك.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>