إذا أعطاها والدها نصيب أختها من الميراث فهل يلزمها رده
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن ٤ أخوات كلنا متزوجات ولنا أولاد. مند قرابة ٦ سنوات وقبل وفاة أمي رحمها الله قررنا موافقة أبى بشأن الميراث وأن نتنازل لأختنا (ش) عن البيت العائلي كي تتمكن من رعاية أمي المريضة آنذاك ونكتفي نحن الثلاثة بقطع أرضية لكل واحدة منا. لكنها رفضت المجيء حتى يكتب البيت باسمها قانونيا. ولكن إلى الآن وبعد وفاة أمي لم تلتزم أختي بشروطنا وتنتقل إلى البيت لمراعاة والدي كبير السن (رغم حصولها على الأوراق الرسمية بامتلاكها المنزل قرابة سنة) اكتشفنا بعد ذلك أن أختنا (ش) كتب لها البيت العائلي وقطعة الأرض التي تعود شرعا لأختنا الكبيرة، وبالتالي (ش) حصلت على البيت وقطعة أرض. (ب) حصلت على قطعة أرض، (ف) حصلت على قطعة أرض، وأختنا الكبيرة حرمت من قطعة أرضها وأعطيت لـ (ش) . حاولنا إقناع الوالد بأن هذه القسمة غير عادلة ولكنه شيخ كبير قارب التسعين سنة رفض بالإضافة إلى أنه لا يعرف أحكام الدين ولا يتقبل الرأي الآخر ولا حتى المناقشة. حاولنا إقناع أختنا (ش) بإرجاع قطعة الأرض إلى أختها لكي ننجي والدنا من النار لكنها رفضت بحجة أن والدنا يتبرأ منها إذا فعلت ذلك وأنها غير مسئولة وهو الذي سيدخل النار وليست هي. من فضلك أنا الأخت (ب) متعبة جدا مما جرى وما زال يجري نور بصيرتي وقلبي ١- هل لي أن أقبل بهذا الحق بعد أن حرمت أختي من حقها بدون سبب؟ ٢- وهل أخذ (ش) لحق أختها حلال عليها وليست مسئولة أمام الله بأخذ حق غيرها، حتى وإن أعطاها إياه أبوها؟ ٣- ماذا بإمكاني أن أفعل حتى أنجي أبي من النار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يجوز للشخص أن يقسم ميراثه في حياته، على القسمة الشرعية التي بينها الله تعالى.
ويجوز تخصيص بعض الأبناء بالعطية لوجود مسوغ شرعي، لا سيما مع رضا بقية الأولاد، كما هو الحال في مسألتكم، وتنازلكم عن البيت لصالح أختكم، في مقابل بقائها فيه وخدمة والديكم.
ثانيا:
ما فعله والدك من حرمان أختك الكبيرة من نصيبها وإعطائها للأخت (ش) : منكر عظيم، ومحرم واضح، واعتداء على القسمة التي قسمها الله تعالى. وقد قال سبحانه في ختام الكلام على المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/١٣، ١٤
وقال سبحانه: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) النساء/١٧٦
فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد إلى ابنته نصيبها، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
ثالثا:
لا يجوز للأخت (ش) الاحتفاظ بنصيب أختها، بحجة أن أباها هو الذي أعطاها، فإنها تعلم أن أباها قد وقع في الظلم والخطأ، ولا يجوز لها أن تقره على ذلك، ولا أن ترضى به، وإلا كانت شريكة في الذنب والإثم.
فيجب عليها أن ترد قطعة الأرض لأختها، لأمرين:
الأول: أن تخفف الإثم عن أبيها.
الثانية: أن تبرأ هي من المشاركة في الظلم والإثم.
وكل من أخذ مالا أو شيئا يعلم أنه نصيب غيره، فهو ظالم معتد، ولو جاءه عن طريق الأب أو القاضي أو غيرهما، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا) رواه البخاري (٢٤٥٨) ومسلم (١٧١٣) .
فقول الأخت (ش) إنها غير مسئولة وأن الإثم على أبيها فقط، غير صحيح، بل هي شريكة في الإثم والظلم وقطع الرحم.
ولا ندري كيف ترضى أخت بظلم أختها، وحرمانها من إرثها؟!
وما هذا الطمع والجشع الذي يحمل الإنسان على أن يحوز نصيبه ونصيب أخيه؟!
وأي سعادة يجنيها الإنسان، وهو مستولٍ على حق غيره، متجاهل له، معرض نفسه لدعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب.
وكما قيل:
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: والدتي تملك بيتا صغيرا قمت أنا ببنائه من جديد، ولي أخ لم يشترك معي بشيء إطلاقا، ولكنه يغضب والدتي ووالدي كثيرا جدا، ويعاملهم معاملة سيئة للغاية طوال حياته حتى الآن، وهو الآن يعيش خارج البيت، فغضبت والدتي وقررت أن تكتب هذا البيت لي، راجعتها كثيرا ولكنها مصممة على كتابته لي، فأنا الآن أسأل: هل يقع على والدتي ذنب في كتابتها لي البيت وحرمان أخي منه؟ وهل يقع علي أي ذنب لو قبلت ذلك من والدتي؟
فأجابوا:
"إذا كان الواقع كما ذكر فلا يجوز لوالدتك أن تعطيك البيت دون أخيك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولما ورد في معناه من الأحاديث. وإن فعلتْ ما ذكر فهي آثمة وأنت آثم؛ لكون قبولك ذلك منها مشاركة لها في الإثم والعدوان، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ويجب أن ترد العطية أو أن تعطي الابن الثاني ما يعادلها. وإذا رأيت أنها مصرة على عدم إشراكه معك فلا مانع من قبول العطية وإعطاء أخيك نصفها؛ إبراء لذمتك إذا لم يكن لها من الأولاد غيركما. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٦/٢٠٧)
وسئلوا أيضا عن رجل أعطى كل واحد من أولاده الذكور قطعة أرض ليبني عليها بيتا، ولم يعط ذلك للبنات، ثم مات الأب، فما حكم أخذ الذكور لهذه الأرض؟
فأجابوا:
"إذا كانت أخواتكم قد رضين بالعملية فلا حرج عليكم، وإن كن لم يرضين فالواجب إعطاؤهن حقهن من الأرض مقسما لهن على حسب الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٦/٢٣٦) .
فنقول لأختنا (ش) : اتقي الله تعالى، واحذري عقابه، وردي الأرض لأختك، ولو بدون أن يعلم أباك، حتى تخرجي من إثم الظلم، وشؤم عاقبته.
وعلى بقية الأخوات الاستمرار في نصح الأب، ونصح أختهم، والتشديد عليها في ذلك، ولو بمقاطعتها، حتى ترد الحق لأختها.
وأما أخذك لنصيبك، فلا حرج عليك في ذلك.
نسأل الله أن يصلح أحوالكن، وأن يهدي الوالد إلى الحق والصواب.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب