للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التذكير في مجلس العزاء

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز أن يحضر للتعزية أحد العلماء ليحمل أهل الميت على الصبر ويذكرهم بفناء الدنيا ويبين لهم فوائد الصبر ويسليهم بحيث يكون مجلس التعزية روضة من رياض الجنة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

" ليس هذا من السنة , أن يحضر واعظ في مجلس التعزية ليعظ أهل الميت ويسمعه الحاضرون , بل إن الاجتماع للتعزية مكروهٌ , كما صرح بذلك كثيرٌ من العلماء , بل أطلق بعضهم عليه أنه بدعة , لذلك نحث إخواننا المسلمين على أن لا يفعلوا ذلك , أي أن لا يجلسوا للتعزية يستقبلون الناس.

أولاً: لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من هدي أصحابه.

وثانياً: أن لسان حال هذا الجالس الذي فتح بابه للناس , كأنه يقول: يا أيها الناس , ائتوا إليّ فإني مصابٌ فعزوني , وهذا أمرٌ لا يليق بالعاقل , بل الإنسان المصاب ينبغي له أن يتصبر ويتحمل دون أن يقول للناس بلسان الحال أو لسان المقال تعالوا عزوني.

وثالثاً: أن هذه المجالس قد بالغ فيها بعض الناس حتى أصبحوا يجعلونها كأنها حفل زواج , تمر في بعض المناطق فترى البيت مضاءً بقناديل الكهرباء , مفتوح الباب , قد بسط بالرمل أو بالفرش وبالكراسي , والناس هذا داخلٌ وهذا خارج وكأنهم في محفل عرس , وهذا لا شك أنه ليس من السنة , بل إنه خلاف السنة قطعاً , بل إنه يجعل الناس يحسون بهذه الأمور إحساساً ظاهرياً بدنياً , يريدون أن يسلوا أنفسهم بهذه المظاهر فقط , لا برجاء الثواب وتحمل الصبر , لأن هذه عبارة عن سرورٍ ظاهري جسدي فقط , لكن إذا بقي البيت على ما هو عليه وبقي أهلهم على ما هم عليه وتصابروا فيما بينهم وحث بعضهم بعضاً على الصبر , كان هذا هو السنة , ولهذا لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم) ولم يقل: " واذهبوا إليهم , واجتمعوا إليهم , وكلوا معهم " إنما قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً , فقد أتاهم ما يشغلهم) يعني عن صنع الطعام , لأن النفوس مهما بلغت لا بد أن تتكدر , ولا سيما إذا كان المصاب جللاً عظيماً , لكن كون الناس يجتمعون وتصنع الولائم وتبعث إليهم أو ربما يصنعونها هم , فإن الصحابة يعدون صنع الطعام واجتماع الناس إليه من النياحة.

ولهذا نقول لإخواننا: خففوا على أنفسكم , لا تكلفوها مثل هذه الأعمال التي لا تزيدكم إلا إيغالاً في البدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه , ونحن نقول هذا الكلام , ونقول لمن سمعه: إذا كان عندك شيء من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يؤيد هذا فأهده إلينا , وأنت مشكورٌ على ذلك , ونحن بحول الله سننقاد له , أما إذا لم يكن عندك شيء فلماذا تحدث أمراً لم يصنعه الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه؟! ألم تسمع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , تمسكوا بها , وعضوا عليها بالنواجذ , وإياكم ومحدثات الأمور) ؟

إذاً، فنقول: لا تَدْعُ عالماً يحضر مجلس أهل الميت من أجل أن يلقي فيهم المواعظ , بل إذا رأينا أن بعض الناس قد بلغ به الحزن مبلغاً عظيماً , فإننا نأتي إليه بواحدٍ من العائلة أو أحد طلبة العلم المعروف عنده يأتي إليه ويتكلم معه كلاماً عادياً في المجلس ويقول: اتق الله , اصبر، احتسب , فإن لله ما أخذ , وله ما أبقى , وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى , هذا أمرٌ مكتوب قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , والمكتوب لا بد أن يقع , قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وتشددك في الحزن والبكاء لا يرفع من الأمر شيئاً , بل يزيد الأمر شدة , ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيأتي إنسان عادي بصفة عادية يتكلم مع هذا الذي بلغت به المصيبة مبلغاً عظيماً ويخفف عليه , وأما الاجتماع وجلب الوعاظ للوعظ وما أشبه ذلك فكل هذا من البدع " انتهى.

[الْمَصْدَرُ]

فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "فتاوى نور على الدرب"

<<  <  ج: ص:  >  >>