للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجزئ مسح بعض الرأس في الوضوء؟

[السُّؤَالُ]

ـ[هل ممكن عند الوضوء مسح جزء صغير من الرأس على أن يكون من الجزء الخلفي وليس الأمامي؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أجمع المسلمون على وجوب مَسْح الرَّأْسِ في الوضوء، لقول اللَّه تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/٦.

واتفق الفقهاء على أن الأفضل استيعاب الرأس بالمسح، غير أنهم اختلفوا هل هذا الاستيعاب واجب أم لا؟

فذهب المالكية والحنابلة إلى وجوب مسح الرأس كله.

وذهب الحنفية والشَّافعية إلى أنه يكفي مسح بعض الرأس.

واستدل المالكية والحنابلة بعدة أدلة:

١- قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) وهذا يتناول جميع الرأس. وهذه الآية: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) كقوله تعالى فِي التَّيَمُّمِ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) والوجه يجب استيعابه في التيمم فكذلك الرأس هنا.

انظر: "مجموع الفتاوى" (٢١/١٢٥) .

قال ابن عبد البر رحمه الله:

" اختلف الفقهاء فيمن مسح بعض الرأس، فقال مالك: الفرض مسح جميع الرأس، وإن ترك شيئا منه كان كمن ترك غسل شيء من وجهه، هذا هو المعروف من مذهب مالك، وهو قول ابن علية، قال ابن علية: قد أمر الله بمسح الرأس في الوضوء كما أمر مسح الوجه في التيمم، وأمر بغسله في الوضوء، وقد أجمعوا أنه لا يجوز غسل بعض الوجه في الوضوء ولا مسح بعضه في التيمم، فكذلك مسح الرأس " انتهى.

" التمهيد " (٢٠ / ١١٤) .

٢- واستدلوا بفعله صلى الله عليه وسلم , فإنه لم يثبت عنه أنه اقتصر على مسح بعض الرأس.

واحتج الأحناف والشافعية بأدلة منها:

١ـ قوله تعالى (وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم) قالوا: والباء للتبعيض، فكأنه قال: (وامسحوا بعض رؤوسكم) .

وأجيب عن هذا: بأن الباء ليست للتبعيض، وإنما هي للإلصاق، ومعنى الإلصاق: أنه يجب أن يلتصق بالرأس شيء من الماء الذي يمسح به.

انظر: "مجموع الفتاوى" (٢١/١٢٣) .

٢ـ ما رواه مسلم (٢٤٧) عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ) . قالوا: فاقتصر صلى الله عليه وسلم على مسح الناصية وهي مقدم الرأس.

وأجيب عن هذا: بأنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، وأكمل المسح على العمامة، ومسح العمامة يقوم مقام مسح الرأس.

قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (١/١٩٣) : " لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ أَلْبَتَّةَ , وَلَكِنْ كَانَ إذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَكْمَلَ عَلَى الْعِمَامَةِ " انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين " إجزاء المسح على الناصية هنا لأنه مسح على العمامة معه، فلا يدلُّ على جواز المسح على الناصية فقط " انتهى من "الشرح الممتع" (١/١٧٨) .

وبهذا يظهر أن الراجح من القولين هو القول بوجوب مسح الرأس كله في الوضوء.

وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (٥/٢٢٧) : " الواجب مسح جميع الرأس في الوضوء؛ لقوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) ولما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء قال: (ومَسَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) , وفي لفظ لهما: (بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه , ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) " انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (١/١٨٧) : " ولو مسح بناصيته فقط دون بقيَّة الرَّأس فإنَّه لا يجزئه؛ لقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) المائدة/٦ ولم يقل: (ببعض رؤوسكم) " انتهى.

وأما صفة مسح الرأس فقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (٤٥٨٦٧) فلينظر.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>