للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كيف ينتسب الأشراف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له ولد ذكر؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد سمعت أن الأسياد من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من فضلك: اشرح لي كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد، وأنا أعرف أن النسب يكون من الابن وليس من البنت؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك، صارت ذريته ينتسبون إليه، ولا ينسبون إلى آبائهم، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (٣٧١٤) ومسلم (٢٤٤٩) .

قال الشريف السمهودي:

"معلوم أن أولادها بضعة منها، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم، وهذا غاية الشرف لأولادها" انتهى.

نقله الألوسي في "روح المعاني" (٢٦/١٦٥) .

ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (٢٧٠٤) .

فسمَّاه "ابنه" وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما.

قال ابن القيم رحمه الله:

"المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته: (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران/٦١، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة....

إلى أن قال:

وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره، الجليل خطره؟ " انتهى باختصار.

" جلاء الأفهام " (ص/٢٩٩-٣٠١) .

وجاء في "مغني المحتاج" (٣/٦٣) :

"فَائِدَةٌ: مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ" انتهى.

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (٢/٦٤٠) :

"ممّا اختصّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ ابني هذا سيّد) " انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي:

"ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم: أنه يطلق عليه أنه أب لهم، وأنهم بنوه، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف. [وهذا عند من اعتبر الفاءة في النسب في النكاح، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا برضاها ورضا جميع أوليائها. [وقد سبق الكلام على الكفاءة في النسب في جواب السؤال رقم (٦٥٥١٠) وبيَّنَّا أن الصحيح من أقوال العلماء أنها غير معتبرة] .

ثم قال ابن حجر: وقولهم: "إن بني هاشم والمطلب أكفاء" محله فيما عدا هذه الصورة.

وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم، [وهذه مسألة افتراضية، لو أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال: هذا لأولادي، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] .

وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام.

نعم، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم. ومن فوائد ذلك أيضاً: أنه يجوز أن يقال للحسنين: أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أب لهما اتفاقا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إن ابني هذا سيد) " انتهى باختصار.

"الصواعق المرسلة" (٤/٤٦٢) لابن حجر الهيتمي.

وقد استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه "الخصائص الكبرى" (٢/٣٨١) ، غير أنها ضعيفة، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص" (٣/١٤٢) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (٨٠١، ٤١٠٤، ٤٣٢٤) .

ثانياً:

هذا الحكم، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه، إنما هو لأولاد بناته، ثم أولاد الحسن والحسين، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم، وإنما ينسبون إلى آبائهم.

قال السيوطي رحمه الله:

"هل يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة - أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم؟

والجواب: لا. وإن كانوا جميعاً يدخلون في "ذرية النبي صلى الله عليه وسلم" وفي "أولاده".

وقد فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل، وبين مَن ينسب إليه:

ولهذا قالوا: لو قال: وقفت على أولادي: دخل ولد البنت.

ولو قال: وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي: لم يدخل ولد البنت.

وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم: أنه ينسب إليه أولاد بناته، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته، فالخصوصية للطبقة العليا فقط، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله، لا إلى الأم، ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم؛ لأنهم أولاد بنت بنته، لا أولاد بنته، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها، وهو مقصور على ذرية الحسن، والحسين....

ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم.

ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك، وإنما أعقبت بنتاً، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم.

هذا تحرير القول في هذه المسألة" انتهى باختصار.

"الحاوي" (٢/٣١) .

ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في "الفتاوى الحديثة" (ص ٦٧) .

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>