كيفَ يتوضّأُ ويصلِّي من بِهِ شَلَلٌ نِصْفِيٌّ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[امرأةٌ مصابةٌ بشللٍ نصفي، يصعبُ عليها الوضوء.
والسؤال: كيفَ تتوضأُ أو تتيمم؟
هل يُجلَبُ لها ترابٌ، أم ماذا؟
هل تتيممُ بالجدار (وليس عليه غبارٌ) ، أم ماذا تفعل؟
وكيف تكونُ صفةُ تيمُّمِها؟
وما صفةُ صلاتِها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
المريضُ الذي لا يستطيع جلب الماءِ والوضوءَ به، أو يعجزُ عن الحركةِ يُنظَرُ في حالِه:
فإن كان يجدُ مَن يُحضِرُ له الماء في وقتِ الصلاة، ويساعدُه على وضوئِه، فالوضوءُ واجبٌ في حقه.
وإن كان لا يجدُ من يعينُه على وضوئه، فيُشرَع له التيممُ حينئذٍٍ , ويأخذُ حكم من عدمَ الماءَ ولم يجدْه.
وذلك لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى يقولُ: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/١٦ , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (٧٢٨٨) ومسلم (١٣٣٧) .
وقال ابنُ قدامةَ رحمه الله في "المغني" (١/١٥١) :
" ومَن كان مريضًا لا يقدرُ على الحركةِ، ولا يجدُ من يناوله الماءَ، فهو كالعادم، لأنّه لا سبيلَ له إلى الماء، فأشبَهَ مَن وجدَ بئرًا ليس له ما يُستقَي به منها.
وإن كانَ له من يناولُه الماءَ قبل خروجِ الوقتِ فهو كالواجد؛ لأنّه بمنزلةِ من يجدُ ما يستقي به في الوقت.
وإن خافَ خروجَ الوقتِ قبلَ مجيئِه، فقالَ ابنُ أبي موسى: له التيمم، ولا إعادةَ عليه.
وهو قولُ الحسن؛ لأنّه عادمٌ في الوقت، فأشبَه العادمَ مطلقًا " انتهى.
وقالَ المَرداوِيُّ في "الإنصاف" (١/٢٦٥) :
" لو عجَزَ المريضُ عن الحركةِ وعمَّن يُوَضِّيه، فحُكمُه حكمُ العادم.
وإن خاف فوتَ الوقتِ إن انتظرَ من يُوَضّيه، تيمَّمَ وصلّى، ولا يعيدُ على الصحيحِ من المذهبِ " انتهى.
وقال شيخُ الإسلامِ في "شرح العمدة" (١/٤٣٣-٤٣٤) :
" فإن لم يمكِنْه (استعمالُ الماء) بأن يكونَ عاجزًا عن الحركةِ إلى الماء، وليس له من يناولُه، فهو كالعادم. وإن كان له من يناولُه في الوقتِ فهو واجدُه " انتهى.
وجاءَ في "الموسوعةِ الفقهية" (١٤/٢٦٠) :
" يتيمّمُ العاجزُ الّذي لا قدرةَ له على استعمالِ الماءِ ولا يعيدُ كالمكره، والمحبوسِ، والمربوط بقربِ الماء، والخائفِ من حيوانٍ، أو إنسانٍ في السّفرِ والحضرِ، لأنّه عادمٌ للماءِ حكمًا، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إنّ الصّعيد الطّيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماءَ عشرَ سنينَ، فإذا وجدَ الماءَ فليمسّه بشرتَه، فإنّ ذلك خير) " انتهى.
وانظر سؤال رقم (٢٠٩٣٥) .
ثانيًا:
إذا كانَ يستطيعُ غسلَ بعضِ أعضاءِ الوضوء، ويمنعُه مرضُه من غسلِ بقيتها، فالواجبُ عليه أن يغسلَ ما استطاعَ من أعضاءِ الوضوء، ويتيمَّمَ بدلًا عمَّا تركَه من غيرِ غسل.
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (٦٧٦١٤) .
ثالثًا:
أما عن صفةِ التيمم:
فيقولُ الشيخُ ابنُ عثيمين في "الشرح الممتع" (١/٤٨٨) :
" والكيفيّةُ عندي التي توافقُ ظاهرَ السنة: أن تضربَ الأرضَ بيديك ضربةً واحدةً بلا تفريجٍ للأصابع، وتمسحَ وجهَك بكفَّيْك، ثم تمسحَ الكفينِ بعضَهما ببعض، وبذلك يَتِمُّ التيممُ " انتهى.
وقد سبق بيانها بالتفصيل في سؤال رقم (٢١٠٧٤) .
رابعًا:
إذا صلَّى المريضُ العاجزُ عن استعمالِ الماءِ بالتيممِ، ثم تيسَّرَ له استعمال الماء بعدَ أن فرغَ من صلاتِه، فلا تلزمُه الإعادة، وذلك لأنَّه أدّى ما وجبَ عليه، وفعل ما أُمِرَ به.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في "شرح العمدة" (١/٤٢٥) :
" لأنّ اللهَ إنما خاطبَ بصلاةٍ واحدةٍ، يفعلُها بحسبِ الإمكان، والشرطُ المعجوزُ عنه ساقطٌ بالعجز، وفي قولِه صلى الله عليه وسلم: (الصعيدُ الطيبُ طهورُ المسلم) وقولِه: (الترابُ كافيك) دليلٌ على أنّه يقومُ مقامَ الماءِ مطلقًا " انتهى.
خامسًا:
التيمُّمُ بالضربِ على جدارِ المنزلِ، اختلفَ فيه أهلُ العلم، تبعًا لاختلافِهم في المرادِ من قولِ اللهِ تعالى: (فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً) النساء/٤٣، والصحيح في معنى الآية: أن المراد بالصعيد هو وجه الأرض , سواء كان تراباً أم رملاً أم حجارة. . أم غير ذلك.
وعلى هذا: إذا كان الجدار غير مطليٍّ بشيء جاز التيمم منه سواء كان عليه غبار أو لا , لأنه من الصعيد , وإن كان مطلياً (بخشب أو دهان) فهذا الخشب أو الدهان ليس من الصعيد فلا يصح التيمم منه إلا إذا كان عليه غبار , لأن الغبار من الصعيد.
وانظر سؤال رقم (٣٦٧٧٤) .
سادسًا:
أما عن صفةِ صلاةِ المريضِ العاجزِ عن الحركة:
فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (٢٦/٢٠٨) :
" يأتي المريضُ أو المصابُ بالشّللِ بأركانِ الصّلاةِ الّتي يستطيعها عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ العاجزَ عن الفعلِ لا يكلّفُ به، فإذا عجزَ عن القيامِ يصلي قاعدًا بركوعٍ وسجود، فإن عجزَ عن ذلك صلَّى قاعدًا بالإيماء، ويجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع، فإن عجَزَ عن القعودِ يستلقي ويومئُ إيماءً؛ لأن سقوطَ الركنِ لمكانِ العذرِ، فيتقدرُ بقدرِ العُذر.
وروى عمرانُ بنُ حصين رضي الله عنه أنه قال: مرضتُ فعادَني رسولُ الله فقال: صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب، تومئُ إيماءً " انتهى.
وسئلَ الشيخُ صالحُ الفوزان: لي والدٌ مريضٌ مصابٌ بشللٍ في الجهةِ اليسرى من جسمِه، حيثُ أصبحت عاطلةً تمامًا عن الحركة، فلذلك لا يستطيعُ المشيَ ولا الحركةَ ولا قضاءَ الحاجةِ في الأماكنِ المخصصةِ لذلك بنفسه، وهذا منذُ عشرِ سنوات، ولكنَّه قبلَ ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ اشتدَّ عليه هذا المرضُ أكثر، فهل يجوز له تركُ الصلاة لهذا السبب، الذي به لا يستطيعُ التطهر للصلاةِ. أم لا؟
فإن كان لا يجوزُ له ذلك فكيف العملُ في طهارتِه وفي صلاتِه؟
وماذا يعملُ بما تركه من صلواتٍ فيما مضى في فترةِ مرضه، لاعتقادِه أنه مادامَ كذلك فهو مُعفىً من الصلاة؟
فأجابَ:
" المسلمُ لا تسقطُ عنه الصلاةُ مادام عقلُه ثابتًا، ولكنَّه يصلِّي على حسبِ حالِه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقولِ النبي صلى الله عليه وسلم للمريض: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) .
فيجبُ على والدِك الذي أصيبَ بهذا الشللِ إذا كان يستطيعُ الوضوءَ بأن يوضّئَ نفسَه بيدِه الصحيحة، أو يوضئُه غيرُه ممَّن يعينُه على الوضوء، فإنه يجبُ عليه ذلك.
وإذا كانَ لا يستطيعُ الوضوءَ بالماء فإنه يتيمَّم بالتراب.
وإذا كانَ لا يستطيعُ أن يتيممَ بنفسِه فيُيمّمُه غيرُه، بأن يضربَ أحدَ أوليائِه أو الحاضرينَ عنده بيدَيه على التراب، ويمسحَ بهما وجهَه ويديه وينويَ هو الطهارةَ بذلك، ويصلي على حسبِ حالِه جالسًا أو على جنبِه، ويومئُ برأسِه للركوعِ والسجودِ حسبَ الاستطاعة.
فإذا كان لا يستطيعُ الإيماءَ برأسِه لأجلِ الشللِ الذي فيه، فإنه يومئُ بطرفه بالركوعِ والسجود.
وهكذا، فالدينُ يسرٌ وللهِ الحمدُ، لكن ليس معنى هذا أن يتركَ الصلاةَ نهائيًّا، وإنما يصليها على حسبِ حاله كما ذكرنا، ويجب عليه أن يقضيَ الصلواتِ التي تركها بحسب استطاعته " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (٤/رقم ٢٧)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب