هل يُنكِر على من يقع في البدعة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[رفع اليدين بالدعاء، والدعاء جهراً وجماعة بعد الصلوات المكتوبة بدعة. سؤالي: هل يجب عليَّ أن أنكر على الذين يفعلون تلك البدعة من أفراد المسجد الذي أصلي فيه بما فيهم الإمام؟ وما هي أفضل طريقة لذلك الإنكار؟ مع العلم أن بعضهم من ذوي الرؤوس الصعبة - كما يقال -، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعني أنهم - كما تعلم - لا يرضون الحق بسهولة، وقد لا يرضونه أبدا، أفدني بالله - جزاك الله خيراً - يا شيخي الفاضل؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين، وبه تكون حياة الأمة وروحها.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (٦ / ٢٤٨) :
اتّفق الأئمّة على مشروعيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وحكى الإمام النّوويّ وابن حزمٍ الإجماع على وجوبه، وتطابقت آيات الكتاب وأحاديث الرّسول صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين على أنّه من النّصيحة الّتي هي الدّين، قال الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/١٠٤، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .
قال الإمام الغزاليّ: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أصل الدّين، وأساس رسالة المرسلين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطّلت النّبوّة واضمحلّت الدّيانة، وعمّت الفوضى، وهلك العباد.
إلاّ أنّهم اختلفوا بعد ذلك في حكمه، هل هو فرض عينٍ، أو فرض كفايةٍ، أو نافلة؟ أو يأخذ حكم المأمور به والمنهيّ عنه، أو يكون تابعاً لقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد.
على أربعة مذاهب.
انتهى
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
الأمر المعروف والنهي عن المنكر واجب، ولكنه فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ولكن إذا لم يوجد إلا الشخص المعين: صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه واجباً عينيّاً كسائر فروض الكفايات، إذا لم يوجد من يقوم بها وجب على الباقين، وعلى هذا فلو مررتَ بقوم على منكر ولم تجد أحداً ينهاهم عنه: كان نهيك إياهم واجباً يجب عليك أن تنهاهم.
" اللقاء الشهري " (اللقاء رقم ٣٥) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -:
ما حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك؟ .
فأجاب:
حُكمه أنه عاصٍ لله ولرسوله، ضعيف الإيمان، وعليه خطر عظيم من أمراض القلوب وعقوبتها العاجلة والآجلة، كما قال الله سبحانه: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا للقيام بهذا الواجب العظيم على الوجه الذي يرضيه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (٦ / ٥٠٤) .
ثانياً:
حرص أهل العلم على ضبط هذا الباب بالضوابط والقيود الشرعية تجنبا لأي مفسدة يمكن أن تحصل نتيجة عدم فهم هذا الباب الخطير.
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الضوابط والآداب في كلمة جامعة له قال فيها:
ينبغي لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه، فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهي؛ فإنه كثيراً ما يحصل له الأذى بذلك، ولهذا قال تعالى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لقمان/١٧.
" مجموع الفتاوى " (١٥ / ١٦٧) .
كما جاء عن سفيان الثوري – رحمه الله – قوله:
لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى.
" جامع العلوم والحكم " (ص ٣٢٥) .
إذاً فالعالم هو الذي يشتغل بالأمر بالمعروف وإنكار المنكر؛ لأنه هو الذي يتبين له الحكم الشرعي بدليله، ويتمكن من إقناع المخاطبين، وبيان الحجة لهم، وأما عوام المسلمين فإن الوجوب يلزمهم أيضاً في الأمر بالمعروف الظاهر، كالصلاة والصيام وأداء الزكاة، ونحو ذلك، والنهي عن المنكر الظاهر كالفاحشة والتبرج والسرقة وغير ذلك.
أما إذا وَجد العامي بعض المنكرات أو البدع التي يخفى مأخذها، ويشتبه حكمها، أو يكون ثمة من يخالف فيها من العلماء: فلا يجوز له حينئذ إنشاء الإنكار من قبل نفسه، وإنما له أن ينقل للناس فتاوى أهل العلم التي اطلع عليها وفيها بيان حكم المسألة فقط، من غير تعنيف أو إحداث فتنة وفرقة، والله سبحانه وتعالى سيثيبه خير الثواب.
قال علماء اللجنة الدائمة:
إنكار البدع والخرافات واجب على أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢ / ٣٤٥) .
ثالثا:
وأنت أخي السائل الكريم ما عليك إلا أن تطلع على الفتاوى المنشورة في موقعنا، تحت الأرقام الآتية: (١١٥٤٣) و (٢١٩٧٦) و (٢٦٢٧٩) .
فتنقل ذلك للناس وتبين لهم ما فهمته منها بالرفق والحسنى واللين، فإن استجابوا لك فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فليس عليك من أمرهم أكثر من ذلك، ويبقى الواجب الباقي في محاولة المجادلة والإقناع على أهل العلم المتخصصين.
وانظر إجابة السؤال رقم (٨٧٧٧٩) .
أسأل الله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله وكرمه.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب