حكم بناء المسجد أو ملحقاته من مالٍ حرام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز أن يُبنى مسجد أو (ملحقات مسجد) في ساحة الحي السكني الملاصق للمسجد، ليستخدم في أغراض متعددة، كصلاة الجماعة في رمضان، وصلاة العيدين، وما إلى ذلك، من تبرعاتٍ مصدرُها محرم، مع أن إدارة المسجد على علمٍ بذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
المال الحرام إما أن يكون محرما لعينه، وإما أن يكون محرماً لكسبه.
فالمحرم لعينه كالمال المغصوب والمسروق، فهذا لا يحل لأحد الانتفاع به وهو يعلم أنه مسروق من فلان، بل يحب رده إلى صاحبه.
وطريقة التوبة من غصب هذا المال: أن يرد إلى صاحبه، ولا يجزئ الغاصب التبرع به لبناء مسجد وهو يقدر على رده إلى صاحبه.
لكن إن تعذر رده إلى صاحبه، (كالمال الذي تغتصبه بعض الحكومات الظالمة من الناس) فلا حرج في إنفاقه في مصالح المسلمين العامة، ومنها بناء المساجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "السياسة الشرعية" (ص ٣٥) :
" إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها إلى أصحابها ككثير من الأموال السلطانية (أي التي غصبها السلطان) ; فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك: من الإعانة على البر والتقوى ; إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال - إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم - أن يصرفها - مع التوبة إن كان هو الظالم - إلى مصالح المسلمين. هذا هو قول جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد وهو منقول عن غير واحد من الصحابة وعلى ذلك دلت الأدلة الشرعية. . .
وإن كان غيره قد أخذها فعليه هو أن يفعل بها ذلك " انتهى.
وأما المحرم لكسبه فهو الذي اكتسبه الإنسان بطريق محرم كبيع الخمر، أو التعامل بالربا، أو أجرة الغناء والزنا ونحو ذلك، فهذا المال حرام على من اكتسبه فقط، أما إذا أخذه منه شخص آخر بطريق مباح فلا حرج في ذلك، كما لو تبرع به لبناء مسجد، أو دفعه أجرة لعامل عنده، أو أنفق منه على زوجته وأولاده، فلا يحرم على هؤلاء الانتفاع به، وإنما يحرم على من اكتسبه بطريق محرم فقط.
وطريقة التوبة من هذا المال المحرم: التخلص منه، وإنفاقه في وجوه البر ومنها بناء المساجد.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (٩/٣٣٠) :
" قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه - فإن كان له مالك معين - وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والربط والمساجد، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء. . . وهذا الذي قاله الغزالي ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عن حكم الصلاة في مسجد بني من مال حرام؟
فأجاب:
" الصلاة فيه جائزة ولا حرج فيها؛ لأن الذي بناه من مال حرام ربما يكون أراد في بنائه أن يتخلص من المال الحرام الذي اكتسبه، وحينئذٍ يكون بناؤه لهذا المسجد حلالاً إذا قصد به التخلص من المال الحرام، وإن كان التخلص من المال الحرام لا يتعين ببناء المساجد، بل إذا بذله الإنسان في مشروع خيري حصلت به البراءة " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (١٢/ سؤال رقم ٣٠٤) وانظر "الشرح الممتع" (٤/٣٤٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب