للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يثبت الزنا بالشهادة إلا إذا كان الشهود أربعة رجال

[السُّؤَالُ]

ـ[ذكرتم في إجابة السؤال رقم (٧٢٣٣٨) أن حد الاغتصاب هو حد الحرابة. مع أن الاغتصاب هو نوع من أنواع الزنا، وعليه فيطبق فيه حكم الزنا، لا سيما إذا لم يستخدم المغتصب أي نوع من أنواع الأسلحة. فما دليلكم على أن حد الاغتصاب هو حد الحرابة؟ وهل كان هدي الصحابة ضرورة أن يشهد أربعة شهود على الجريمة، وإذا كان كذلك فأنّى للمرأة أن تحضر الشهود؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

المغتصب إذا لم يحمل السلاح فإنه يحد حد الزنى، وهذا مضمون ما ذكرناه في السؤال رقم (٧٢٣٣٨) ، وفيه قولنا: " كون المغتصب عليه حد الزنا، هذا ما لم يكن اغتصابه بتهديد السلاح، فإن كان بتهديد السلاح فإنه يكون محارباً " انتهى.

وانظر جواب السؤال رقم (٤١٦٨٢) .

ثانياً:

يشترط لإقامة حد الزنا: ثبوته، وذلك إما بشهادة أربعة رجال، أو بالإقرار، أو بظهور الحمل مع انتفاء الشبهة وانتفاء دعوى الغصب والإكراه على الراجح.

والدليل على اشتراط أربعة شهود: قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/١٥، وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/٤، وقوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النور/١٣.

وروى مسلم (١٤٩٨) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: (نَعَمْ) .

وثبوت الزنا بشهادة الشهود أمر متعذر؛ لأنه من الصعب أن يوجد أربعة يشهدون وقوع إيلاج الفرج في الفرج.

ولهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقته، وإنما ثبت بطريق الإقرار؛ لأن الشهادة صعبة، كما سيتبين إن شاء الله " انتهى من "الشرح الممتع" (١٤/٢٥٧) .

ثم قال: " فلو قالوا: رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل حتى لو قالوا: نشهد بأنه قد كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، بل لا بد أن يقولوا: نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شُهِدَ عليه في عهد عمر: لو كنت بين أفخاذنا لم تشهد هذه الشهادة، وأظن هذا لا يمكن، ولكن لا أدري هل يمكن بالوسائل الحديثة أم لا كالتصوير؟ الظاهر أنه لا يمكن أيضاً؛ لأن الذي تدركه الصورة تدركه العين، فإذا لم تدركه العين لم تدركه الصورة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهده، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذاك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا.

فلو شهد الأربعة بأنهم رأوه كما يكون الرجل على امرأته، فإنه لا يحد للزنا، ولكن هل نقول: إن هذه تهمة قوية بشهادة هؤلاء الشهود العدول، فيعزر؟ نعم، فإذا لم يثبت الزنا الذي يثبت به الحد الشرعي، فإنه يعزر لأجل التهمة " انتهى من "الشرح الممتع" (١٤/٢٧١) .

والمغتصب إذا لم يقر بالزنا، ولم تقم البينة على زناه، فإن للحاكم أن يعزره إذا وجدت التهمة والقرائن على فجوره وفساده.

ولو قُدّر نجاته من العقوبة في الدنيا، فإن ذلك لا يلغي عقوبة الآخرة إلا أن يشاء الله تعالى.

ولله الحكمة التامة في ما شرع من اشتراط الشهود مع تعذر ذلك، والمراد عدم إشاعة هذه الفاحشة، فإن المنكر إذا تكرر ظهوره وكثرت فيه الدعاوى والإثباتات وتعددت الحالات فإنه يسهل على النفوس اقترافه.

قال في "الهداية": "ولأن في اشتراط الأربعة يتحقق معنى الستر وهو مندوب إليه والإشاعة ضده".

قال ابن الهمام في "فتح القدير" (٥/٢١٤) : " أما إن فيه تحقيق معنى الستر فلأن الشيء كلما كثرت شروطه قلّ وجوده , فإن وجوده إذا توقف على أربعة ليس كوجوده إذا توقف على اثنين منها فيتحقق بذلك الاندراء " انتهى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>