للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يشاهد البرامج التي تقدمها مذيعة سافرة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[في بعض البرامج التعليمية أو الأخبار يكون المقدم لها امرأة سافرة، هل يأثم الرجال في مشاهدة هذه البرامج - خاصة وأن المواضيع التي يتحدثون عنها ليست حراماً -؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

يجب على المرأة المسلمة أن تغطي بدنها كله عن الرجال الأجانب، ولا يحل لها من باب أولى إبداء زينتها كالشَّعر والصدر والذراعين.

وفي جواب السؤال رقم (١١٧٧٤) تجد حكم تغطية وجه المرأة بالأدلة التفصيلية.

وفي آخر ذلك الجواب ذكرنا مفاسد إظهار الوجه للأجانب، ومنها: فتنتها بنفسها وبجمالها، وزوال الحياء عنها، وافتتان الرجال بها.

فإذا كان هذا هو حكم من أظهرت وجهها، وهذه بعض آثار ظهوره أمام الأجانب: فماذا سيكون حكم إظهار الصدر والشعر معه؟! وما هي الآثار التي ستترتب على ذلك؟! .

ونأسف للحال التي قبلت المرأة لنفسها أن تصبح عليه من كونها سلعة رخيصة يتاجِر بها المرضى من أهل الشر والفساد، فهل يمكن أن تُختار امرأة للعمل مذيعة في فضائية وليست جميلة؟! إنه المقياس الأول الذي يُبحث عنه؛ ليُمتَّع المشاهد بالنظر إليها والتغزل بها، فكيف رضيت المرأة لنفسها أن تكون محط أنظار الملايين يتأملون بها، ويغازلونها، وهل ستكون في نظرهم تلك المرأة الشريفة المحافظة على عفافها وحيائها وهم يرونها تتزين للمشاهدين ما لا تتزينه لزوجها؟! .

ثانياً:

وأما نظر الرجل إلى وجه الأجنبية وصدرها وشعرها: فلا يجوز أن يشك في تحريمه.

قال النووي رحمه الله:

"ويحرُم نظر رجل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية، وكذا وجهها وكفها، عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح" انتهى.

قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله شارحاً كلام النووي:

"ووجهه الإمام – أي: الجويني - باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، ومحرك للشهوة".

" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " (٦ / ١٨٧، ١٨٨) .

وقال الدكتور محمد إسماعيل المقدَّم:

أجْمَع العُلماء جميعًا - ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة - على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان؛ لفساد أكثر النَّاس؛ ورِقَة دينِهم؛ وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن، ومِعيار الجَمال، ومِصباح البَدَن.

" عودة الحِجاب " (ص ٤٣٢) بتصرف.

وفي " الموسوعة الفقهية " (٢٦ / ٢٦٩) .

" إذا كانت المرأة أجنبيّةً حرّةً: فلا يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقاً، أو مع خوف الفتنة، بلا خلاف بين الفقهاء" انتهى

وفي (٢٦ / ٢٧٠) :

" هذا، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام، سواء أكانت محرماً أم أجنبيّةً عدا زوجته ومن تحلّ له.

وكذا يحرم نظر الأجنبيّة إلى الأجنبيّ إذا كان بشهوة" انتهى.

والنظرة للأجنبية المعفو عنها في الشرع: هي النظرة التي تكون من غير قصد، وإذا حصلت تلك النظرة فإنه يجب على الناظر صرف بصره، ولا يجوز له استدامة النظر، وكلام العلماء في هذا المنع إنما هو في النظر إلى وجهها، وأما النظر إلى صدرها وشعرها – كما تُخرجه المذيعات – فلا يَشك أحد في تحريمه، ولا ينبغي أن يُختلف في هذا.

قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) النور/٣٠.

وعموم غض البصر المأمور به المسلم في هذه الآية يشمل العورة التي لا يحل إظهارها إلا لزوجها، والأعضاء التي لا تُظهرها إلا للنساء والمحارم، والوجه المختلف فيه بين العلماء.

قال ابن كثير رحمه الله:

"هذا أمرٌ مِن الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرَّم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد: فليصرف بصره عنه سريعاً ... .

ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب، كما قال بعض السلف: " النظر سهام سم إلى القلب "؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك، فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) " انتهى.

" تفسير ابن كثير " (٦ / ٤١، ٤٢) باختصار.

وعن جرير بن عبد الله قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَر الفَجْأةِ؟ فَأَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) رواه مسلم (٢١٥٩) .

وعن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (يَا عَليّ، لَا تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَة، فَإِنَّ لكَ الأُولَى، وَلَيْسَت لكَ الآخِرَة) .

رواه الترمذي (٢٧٧٧) وأبو داود (٢١٤٩) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي ".

قال ابن القيم رحمه الله:

ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر، فما لم يتعمده القلب لا يعاق عليه، فإذا نظر الثانية تعمّداً: أثم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره، ولا يستديم النظر؛ فإن استدامته كتكريره.

" روضة المحبين " (ص ٩٦) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة: فإن عليه أن يغض بصره، ويصرفه عنها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك) و (إن لك الأولى وليست لك الأخرى) ، والمعنى: أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة، ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل، أو في طريق، فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى، بل عليه أن يغض بصره.

" فتاوى ابن باز " (٢٢ / ٢٠٨) .

وقد سبق في إجابة السؤال رقم (٢٢٩١٧) : فوائد غض البصر، فلينظر.

والخلاصة:

١. يجب على المرأة المسلمة أن تستر جميع بدنها، وأن الصحيح أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها.

٢. لا يحل لها – من باب أولى – أن تُظهر للأجانب ما تظهره للنساء ولأقاربها المحارم.

٣. يحرم على المرأة العمل مذيعة في تلفاز أو فضائية لما يستلزمه هذا العمل من إظهار وجهها وشعرها. ... وغير ذلك في الغالب، واستدامة نظر المشاهدين لها المنافي للأمر بغض البصر.

٤. وأولى بالتحريم من خرجت أمام الناس كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها، ولا تخلو هذه المرأة – عادة – من ارتكاب محرمات أخرى كالنمص، واستعمال أدوات التجميل والعطور أمام الرجال الأجانب عنها.

٥. لا يجوز للرجل الأجنبي النظر إلى المذيعة، وليس له إلا النظرة الأولى، والتي تكون من غير قصد.

٦. لا فرق بين ظهور المذيعة في نشرة الأخبار وبرامج تعليمية، وبين ظهورها في أفلام ومسلسلات من حيث النظر.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>