ماذا يفعل المسلم مع اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ماذا نفعل إذا اختلف علماء الحديث في تصحيح وتضعيف حديث ما يتعلق بالعبادة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا فرق عند أهل العلم بين اختلاف العلماء في مسائل الحديث تصحيحا وتضعيفاً وبين اختلافهم في مسائل الفقه؛ وذلك لأن تصحيح الحديث وتضعيفه خاضع للاجتهاد، وفيه تفاوت بين العلماء في العلم بأحوال الرجال وطرق الحديث، فما يعرفه بعضهم من حالٍ للراوي قد يخفى على غيره، وما يقف عليه آخر من شواهد ومتابعات قد لا يتيسر لغيره، فيختلف حكمهم على الحديث الواحد تبعاً لذلك، وأحياناً يقف كل واحد منهم على ترجمة الراوي وطرق الحديث، ويختلف ترجيحهم تصحيحاً وتضعيفاً تبعاً لاجتهادهم في الراجح من حال الرواي، وفي الراجح من خلو طرق الحديث من الشذوذ والعلة.
قال الإمام الترمذي:
وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم.
" سنن الترمذي " (٥ / ٧٥٦) وهو كتاب " العلل " في آخر " السنن ".
وفي بيان أسباب اختلاف العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره، مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره، أو معهما عند من يقول: كل مجتهد مصيب؛ ولذلك أسباب: منها: أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفا؛ ويعتقده الآخر ثقة، ومعرفة الرجال علم واسع؛ ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه؛ لاطلاعه على سبب جارح، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفته أن ذلك السبب غير جارح؛ إما لأن جنسه غير جارح؛ أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح.
وهذا باب واسع وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم.
ومنها: ألا يعتقد أن المحدث سمع الحديث ممن حدث عنه، وغيره يعتقد أنه سمعه لأسباب توجب ذلك معروفة.
ومنها: أن يكون للمحدث حالان: حال استقامة، وحال اضطراب؛ مثل أن يختلط أو تحترق كتبه، فما حدث به في حال الاستقامة صحيح، وما حدث به في حال الاضطراب ضعيف؛ فلا يدري ذلك الحديث من أي النوعين، وقد علم غيره أنه مما حدث به في حال الاستقامة.
ومنها: أن يكون المحدث قد نسي ذلك الحديث فلم يذكره فيما بعد، أو أنكر أن يكون حدثه معتقدا أن هذا علة توجب ترك الحديث، ويرى غيره أن هذا مما يصح الاستدلال به، والمسألة معروفة ... إلى أسباب أخر غير هذه.
" مجموع الفتاوى " (٢٠ / ٢٤٠ – ٢٤٢) باختصار.
ثانياً:
أما موقف المسلم من هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد: فهو الموقف ذاته من اختلافهم في الفقه، فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً من أحد الحكمَين، وإن كان غير مؤهل فواجبه التقليد، وعليه أن يأخذ بترجيح من يراه أكثر ديناً وعلماً في هذا الباب، ولا ينبغي أن يغتر بكونه فقيهاً أو أصوليّا أو مفسِّراً، بل ينبغي أن يكون المقلَّد في التصحيح والتضعيف من أهل هذه الصنعة وهذا الفن، وهو فن علم الحديث، ولا حرج عليه فيما يترتب على تقليده، فإن كان الحديث صحيحاً عنده وقلَّده فيه، وكان يحوي حكماً فقهيّاً فالواجب عليه العمل به، ولا حرج عليه إن ترك العمل به إن كان الحديث ضعيفاً.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً: فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه.
" لقاء الباب المفتوح " (اللقاء " ٤٦ "، سؤال ١١٣٦) .
ولينظر جواب السؤال رقم (٢٢٦٥٢) وفيه بيان الموقف الصحيح من اختلاف العلماء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب