ليس هذا بحديث: الدنيا سوق ربح فيه قوم وخسر آخرون
[السُّؤَالُ]
ـ[انتشرت في بعض الرسائل البريدية نصائح عن استغلال الدنيا بالطاعات ويذكر فيها: (الدنيا سوق ربح فيها قوم، وخسر آخرون) ما صحة هذا الحديث؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ليس هذا بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم ـ، وإنما هو حكمة من الحكم المأثورة، يَقصِد بها الواعظ تذكيرَ الناس بحقيقة الدنيا، وأنها مزرعة للآخرة، فالسعيدُ من يفهم حقيقتها ويجتهد فيها بما يكون به رابحاً لا خاسراً.
روى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (٥٥/١٤٩) بسنده إلى سفيان بن عيينة رحمه الله قال:
" دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي، فقال: يا أمير المؤمنين! إنما الدنيا سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم، وخرجوا منها بما يضرهم، فكم من قوم غرَّهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، وخرجوا من الدنيا مرملين [المُرْمِل هو من نفد زاده] ، لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة، فاقتَسَم مالَهم من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لم يعذرهم، فانظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت فابتغ به البدل حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك. يا أمير المؤمنين! افتح الأبواب، وسهل الحُجَّاب، وانصر المظلوم " انتهى.
وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله:
" وكنت قد سمعت من الشيخ – يعني محمد الأمين الشنقيطي - رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول:
إن العمر وزمن الحياة حجة على الإنسان، كالرسالة والنذارة سواء، وذكر قوله تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ) ، فجعل في الآية التعمير، وهو إشغال العمر موجباً للتذكر والتأمل، ومهلة للعمل، كما تخبر إنساناً بأمر ثم تمهله إلى أن يفعل ما أمر به، فهو أمكن في الحجة عليه.
فكان القسم في العصر على الربح والخسران – يعني في سورة العصر (والعصر إن الإنسان لفي خسر) - أنسبَ ما يكون بينهما، إذ جعلت حياة الإنسان كسوق قائمة، والسلعة فيه العمل، والعامل هو الإنسان، كما قال تعالى: (هلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
وفي الحديث الصحيح عند مسلم: (سبحان الله تملأ الميزان - وفيه -: كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) ، فإن كان يشغل عمره في الخير فقد ربح وأعتق نفسه، وإلَاّ فقد خسر وأهلكها.
ويشير لذلك أيضاً قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ) .
فصح أن الدنيا سوق، والسلعة فيها عمل الإنسان، والمعاملة فيه مع الله تعالى " انتهى.
" أضواء البيان " (٨/٤٤٥-٤٤٦) .
وما تجده في بعض مواقع الفرق المبتدعة من نقل هذا الكلام بعنوان: قال عليه السلام: (الدنيا سوق ربح فيه قوم، وخسر آخرون) فهم لا يقصدون بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يريدون بعض أئمة آل البيت، وهم يسوقونه كعادتهم من غير إسناد ولا توثيق، والواجب الحذر من كل ما ينقلونه، فمادة علومهم ومواقعهم هي الكذب والافتراء.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب