للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التفصيل في حكم " عقود الصيانة " ومتى يكون لها حكم " التأمين التجاري "

[السُّؤَالُ]

ـ[بعدما سمعت أن بعض المشايخ أجازوا " التأمين التجاري " بحكم أنه يشبه حماية القوافل في الماضي: خطر في بالي هذا التساؤل: ما الفرق بين التأمين التجاري، وعقود الصيانة العامة؟ وأعني بعقود الصيانة: هي أنني صاحب منشأة حكومية - كوزارة التجارة مثلاً - أكتب عقداً مع شركةٍ ما للصيانة، أدفع لها سنويّاً مبلغاً وقدره مليون ريال – مثلاً -، ومقابل هذا المبلغ: أتكفل بصيانة الكهرباء، والسباكة، من ناحية أجور اليد فقط - وقد يكون حساب القطع عليهم، أو على شركة الصيانة -، طبعاً وقلْ مثل ذلك في صيانة أجهزة الحاسب الآلي للشركات الكبرى، أو البنوك، وقل مثله في عقود صيانة البرامج المحاسبية – مثلاً - ... إلخ. أرجو أن تكون الصورة وضحت. إذا كان هذا العقد جائزاً: فما الفرق بينه وبين عقد التأمين التجاري؟ شركة التأمين تأخذ مني مبلغًا مقابل أن تصلح لي سيارتي، وشركة الصيانة تأخذ من الوزارة مبلغًا مقابل إصلاح ما فسد في السباكة، والكهرباء. شركة التأمين لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، استئجار معارض، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -، وشركة الصيانة لديها التزامات مالية - تكاليف قانونية، موظفون، معدات، وأجهزة ... إلخ -. فما الفرق بينهما؟ هذا ما دار في نفسي من تساؤل. ١. هل هناك فرق دقيق بينهما لم أنتبه إليه يجيز عمل شركة الصيانة، ويحرم عمل شركة التأمين؟ . ٢. إذا كان عمل شركة الصيانة حراماً: فمعناه أن كل مال تساهم به في هذه الشركة هو مال حرام، هل هذا صحيح؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

"عقود الصيانة" من العقود المستحدثة، ولها عدة صور، ولهذا لا يصح أن تعطى حكماً واحداً، بل منها ما هو جائز، ومنها ما هو محرم.

ويمكننا جمع أشهر صور تلك العقود مع بيان أحكامها فيما يلي:

١. أن تتكفل الشركة البائعة للجهاز بالصيانة الدورية، أو بالصيانة في حال حدوث خلل فيه، وقد تكون الصيانة مجرد إصلاح، وقد تكون مع وضع قطع بديلة لما يتلف منها.

وحكم هذه الصور: الجواز، ويجوز للشركة البائعة أن ترفع سعر بيع الجهاز مقابل تلك الخدمة.

٢. أن تتكفل "شركة صيانة" – وليست الشركة البائعة - بالفحص الدوري على الجهاز – أسبوعيّاً، أو شهريّاً – مقابل مبلغ معيَّن، ويُعرف في العقد عدد الأجهزة المراد فحصها وصيانتها، وتعرف نوعية الصيانة، ويكون العقد لمدة محدودة.

وحكم هذا العقد: الجواز، وهو في حقيقته عقد إجارة، ويشترط لجوازه – بالإضافة لما سبق – أن لا يشتمل عقد الفحص والصيانة على توفير قطع غيار لما يتلف من قطع الجهاز، بل تكون هذه القطع على صاحب الجهاز.

إلا إذا كانت المواد المستعملة في الصيانة يسيرة لا يُحسب لها حساب في العادة، أو كانت معروفة أنها من لوازم الصيانة: لم يكن ذلك بمانع من القول بجواز هذا العقد.

٣. أن يشتمل عقد الصيانة مع الفحص الدوري على استبدال القطع التالفة بأخرى جديدة.

وحكم هذا العقد: التحريم؛ لأنه يشتمل على الغرر الفاحش، وهو عقد مقامرة، فقد يكون ثمن القطع الجديدة أضعاف قيمة عقد الصيانة، وقد لا تحتاج الأجهزة لتبديل قطع شيء منها، وصاحب الجهاز في هذه الحال إما أن يكون " غانماً "، أو " غارماً "، وهذا هو ضابط عقود المقامرة، فيغنم صاحب الجهاز في حال حصوله على قطع غيار بأكثر مما دفعه لشركة الصيانة، وقد يغرم بأن لا تحتاج أجهزته لقطع غيار، فيضيع عليه ما دفعه لهم.

وهذه الصورة من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم.

٤. أن يكون عقد الصيانة ليس دوريّاً، ولكن على حسب حصول الخلل في الأجهزة المعقود عليها، فإذا حصل خلل فيها: تمَّ استدعاء شركة الصيانة، وإن لم يحصل خلل: لا يأتي أحد لرؤيتها.

وحكم هذا العقد: التحريم، وهو عقد مقامرة، لأن صاحب الجهاز يكون غانماً إذا كثر تعطل الجهاز، ويكون غارماً إذا قل تعطله.

وهذه الصورة – أيضاً - من عقود الصيانة تشبه عقود التأمين التجاري المحرَّم.

وهذه بعض الفتاوى المتعلقة بعقود الصيانة:

١. قرار " مجلس مجمع الفقه الإسلامي ":

ففي قرار رقم: ١٠٣ (٦/١١) بشأن "عقد الصيانة" قال "المجمع":

الحمد لله رب العالمين، والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

أما بعد:

فإن "مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي "المنبثق عن "منظمة المؤتمر الإسلامي" في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة البحرين، من ٢٥ - ٣٠ رجب ١٤١٩ هـ (١٤ - ١٩ نوفمبر ١٩٩٨) : بعد اطِّلاعه على الأبحاث المقدمة إلى "المجمع" بخصوص موضوع "عقد الصيانة"، واستماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:

قرر ما يلي:

أولاً: عقد الصيانة هو عقد مستحدث مستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، ويختلف تكييفه، وحكمه، باختلاف صوره، وهو في حقيقته عقد معاوضة، يترتب عليه التزام طرف بفحص وإصلاح ما تحتاجه آلة، أو أي شيء آخر، من إصلاحات دورية، أو طارئة، لمدة معلومة، في مقابل عِوض معلوم، وقد يلتزم فيه الصائن بالعمل وحده، أو بالعمل والمواد.

ثانياً: عقد الصيانة له صور كثيرة، منها ما تبين حكمه، وهي:

١. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط، أو مع تقديم مواد يسيرة لا يعتبر العاقدان لها حساباً في العادة.

هذا العقد يكيَّف على أنه عقد إجارة على عمل، وهو عقد جائز شرعاً، بشرط أن يكون العمل معلوماً، والأجر معلوماً.

٢. عقد صيانة غير مقترن بعقد آخر، يلتزم فيه الصائن تقديم العمل، ويلتزم المالك بتقديم المواد.

تكييف هذه الصورة، وحكمها: كالصورة الأولى.

٣. الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة.

هذا عقد اجتمع فيه بيع وشرط، وهو جائز، سواء أكانت الصيانة من غير تقديم المواد، أم مع تقديمها.

٤. الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر، أو المستأجر.

هذا عقد اجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة: أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة: فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة: فيجوز اشتراطها على أيٍّ من المؤجر، أو المستأجر، إذا عُيِّنت تعيُّناً نافياً للجهالة.

وهناك صور أخرى يرى " المجمع " إرجاءها لمزيد من البحث، والدراسة.

ثالثاً: يشترط في جميع الصور: أن تعيَّن الصيانة تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع، وكذلك تبيين المواد إذا كانت على الصائن، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

"مجلة المجمع" (العدد الحادي عشر ج ٢، ص ٢٧٩) .

٢. سئل الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله:

صاحب شركة صيانة سيارات يسأل عن عقد الضمان وصورته: أن يتعاقد صاحب شركة الصيانة مع صاحب معرض سيارات مستعملة، أو ما يسمَّى بصالات السيارات المستعملة، وخاصة المستوردة من الخارج، فيقوم صاحب الشركة بفحص السيارة، ويعطي شهادة ضمان على السيارة السليمة مدة محددة على حسب صلاحية السيارة، على أن يدفع صاحب المعرض - أو الصالة - مبلغاً مقطوعاً مرة واحدة، ويتكفل صاحب الشركة بضمان السيارة تلك المدة المحددة بحيث لو حصل للسيارة عطل: فإن مشتري السيارة من المعرض يرجع على صاحب الشركة الضامنة، فتقوم بإصلاح السيارة بدون دفع مال، بشرط أن لا يقوم المشتري عند حصول عطل بإصلاح السيارة في مكان آخر.

ويستثنى من الأعطال ما هو خارج عن الإرادة مثل حوادث السيارات.

فأجاب:

نرى أن مثل هذا لا يجوز؛ فإنه داخل في عمل " التأمين " الذي رَجَّح العلماء عدم جوازه؛ وذلك لأن صاحب المعرض - أو صاحب صالات السيارات - يدفع مبلغاً محدداً لشركة الصيانة، سواءً حصل أعطال، أو لم يحصل، فتارة لا يحصل تعطيل لهذه السيارات: فيأخذ صاحب شركة الصيانة ذلك المال من صاحب المعرض في غير مقابل، ولا يرد عليه شيئاً؛ حيث لا يحصل ما يحتاج إلى الإصلاح.

وأحيانًا قد يحصل تعطيل كثير في السيارات، ينفق عليها صاحب شركة الصيانة أموالًا طائلة أكثر مما دفعه له صاحب صالات السيارات المستعملة، فيتضرر صاحب الشركة، ثم إن هذا التعاقد، وهذا الضمان قد يسبِّب أن أكثر المشترين يتهورون، ويخاطرون في مسيرهم، فتكثر الحوادث، ويحصل أنواع التعطيل، وإذا نصحوا باستعمال الرفق يحتجون بأن السيارة مضمونة لمدةٍ محددة كسنَة، أو أكثر.

فعلى هذا نقول: إن على صاحب المعرض - أو ما يسمى بصالات السيارات المستعملة - سواءً مستوردة من الخارج، أو غير مستوردة: أن يفحص سياراته بنفسه، أو يستأجر عُمَّالًا يفحصونها، ويصلحون ما فيها من الأخطاء، ثم يبيعونها، ولا بأس أن يضمنوا للمشتري إصلاحها لمدة محددة، ولأشياء خاصة، باستثناء الحوادث المرورية، وما أشبهها.

" الفتوى رقم ٨١٦ " من موقع الشيخ رحمه الله.

http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=٨١٦&parent=٤١٩٣

وهذا الجواب ينطبق على الصورة الرابعة من صور عقود الصيانة.

والصورة التي ذكرها الشيخ في آخر جوابه أنها جائزة وهي عقد الصيانة من البائع نفسه، هي الصورة الأولى التي ذكرنا أنها جائزة.

٣. وقال الشيخ سامي السويلم حفظه الله:

إذا كانت الشركة البائعة للأجهزة هي التي تقوم بالصيانة: فلا مانع من ذلك، ولا مانع من أن يختلف المبلغ المدفوع للصيانة تبعاً لاختلاف الخدمة ذاتها، أما أن تقوم شركات بالصيانة غير الشركات التي باعت السلعة: فلا يجوز؛ لأنه يكون صورة من صور التأمين التجاري المحرم، وبذلك يتبين حكم عقد الصيانة، فالضمان الذي تقدمه شركة الصيانة تابع للعمل الذي تقوم به، وهو عمل الصيانة الدورية، وهذه الصيانة الدورية من شأنها أن تقلل من احتمالات وقوع الخلل، ومن ثم تقلل من الحاجة للضمان ابتداء، أما إذا كان عقد الصيانة مجرد ضمان بلا عمل يدرأ الخطر: فهو تأمين تجاري بحت.

http://almoslim.net/node/٥٤٩٣٢

وبهذا يتبين أن من عقود الصيانة ما هو مباح جائز، ومنها ما يكون صورة من صور التأمين التجاري فيكون محرماً.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>