للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخت زوجها تسبب لهم المشاكل

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا امرأة مُتزوجة وأُمٌ لِثلاثة أولاد , وزوجي يخشى الله , ويبَرُّ والديه , إلاّ أنّ أُختَ زوجي تسبِِّبُ دائما المشاكل بيني وبين زوجي , حيث إنّها تكذِبُ عليه في كثير من الأمور، مِمّا يُؤدي بِنا دائما إلى المُشاجرة، وقد ينعكِس على حياتِنا الزوجية، لكن في الأخير عرَف زوجي الحقيقة بأنّها تَكذب، هذه المرة تعقدت الأمور جدا؛ حيث إنّها وصلت بِها الجرأة إلى السّب والشتم وانتِهاك عرضي وعرضَ زوجي , وحرَّضت والِديه عليه وعليَّ بالبُهتان، لِتُبرِّئ نَفسَها , مع العلم أنّها البنت الوحيدة لديهما , مما يزيد التعلُّق بقولِها , فصدّقاها وكذّبا زوجي، ممّا أدّى إلى تَوَتُر العلاقات بين زوجي ووالِديه، ومعي كذَلِك , ومع هذا كُلُّه فهو يصل والديه , ولإخوته الباقين , إلاّ هيَ.

فهل على زوجي إِثم في قَطعِ صِلة الرَّحم بها؟ وأنا هل تُعتَبر صِلة رَحم لي؟ مع العلم أنِّي حاولت بِعِدّة طُرُق مباشرة أو غير مباشرة التَقرُّب إليها , مَثَلا إهدائها الهدايا , إكرام ضِيافَتِها إلخ، أمّا الآن أُريد الابتعاد عنها لتَجنُب الفِتنة بيني وبين عائلة زوجي , وكي لا أكون عائقا بين زوجي ووالديه، أمّا بالنسبة إلى والديه فأُريد أن أَبقَى على علاقة من بعيد، حيث الاتصال بهما في المُناسبات، وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أسأل الله سبحانه أن يصلح الأحوال، وألا يجعل للشيطان عليكم سبيلا، وأن يهديكم لما فيه الخير والصلاح

وقد أحسنتِ غاية الإحسان في المبادرة بالصلح والتفاهم، وبهذا أديت الواجب عليك، ورفعت عنك الإثم والمؤاخذة، فسعيك مقبول إن شاء الله، وبعد بذل الأسباب في محاولة الإصلاح ودرء المشكلات: قد يكون البعد أفضل علاج، أعني بُعدك عن أخت زوجك والاحتكاك بها، خاصة إذا بلغت الأمور إلى الطعن في الأعراض، وكذا البعد عن والدي زوجك، إذا كانت الصلة تسبب المشاكل، فإن أهل الزوج ليسو من أرحامك الذين تجب عليك صلتهم، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٧٥٠٥٧) .

وإنما هم أرحام الزوج، فلا يجوز في حقه هو قطيعتهم، وإن كانوا يؤذونه، ويتطاولون عليه

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقطَعُونِي، وَأُحسِنُ إِلَيهِم وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحلُمُ عَنهُم وَيَجهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِن كُنْتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم مَا دُمتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه مسلم (٢٥٥٨)

قال النووي – رحمه الله -:

معناه: كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شئ على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه، وقيل معناه: إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم. " شرح مسلم " (١٦ / ١١٥) .

وعليه أن يتحمل كل أذى يناله منهم، ويتحرى وصلهم بالحدود التي لا تزيد المشاكل، ولا تفاقم الأمور، وليستعمل الرفق والتهذيب في معاملة أخته؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديها إلى الخير والصلاح، فيحاول نصحها وبيان حقيقة الأمور، وليستعن عليها بمن هو أقرب إليه منها، ولا يعامل والديه إلا بالحسنى، وعليكِ أن تعينيه على ذلك، وتحثيه على صلتهم والإحسان إليهم، وذكريه بقول الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/٣٤،٣٥

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن مشكلة مشابهة لما عرضت في السؤال فكان جوابهم:

نوصيك ببر والدتك، وطيب الكلام معها، وعدم إظهار التضجر منها، وعليك بمداومة نصيحة أختك بالأسلوب الحسن للكف عن إثارة المشكلات إن كانت غير محقة.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٥ / ٢٥٤) .

ولتكن نيتكِ في بعدكِ عنهم النظر إلى وقت صفاء النفوس، ومراجعة المواقف، حتى يأذن الله تعالى بالمحبة والمودة بينكم، فتعود العلاقات الطيبة إلى أسرتكم، فإن ذلك من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة لتحقيقها بين الناس.

وقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٦ / ١٢٧) :

أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم، وتصفو نفوسهم، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما. ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلتَقيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ) ، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ) أي: تحلق الدِّين.

والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه، ويسلم عليه، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما، فإن في ذلك أجرا عظيما، وسلامة من الإثم.

انتهى

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>