حكم القراءة بعد سجود التلاوة في الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[صلى بنا إمام صلاة الفجر وقرأ آخر سورة الأعراف وعندما وصل إلي السجدة سجد بنا ورفع من السجود ولم يقرأ شيئا من القران بل ركع مباشرة بعد الرفع من السجود وبعد الانتهاء من الصلاة قال لنا شيخ المسجد يجب إعادة الصلاة سألته لماذا قال لان عليه سجود سهو لتركه القراءة بعد الرفع من السجود وقد انحرف عن القبلة بعد السلام لذي لا يمكنه فعل سجود السهو الآن فعلينا أن نعيد الصلاة فأخبرته أن القراءة بعد الفاتحة ليست من واجبات الصلاة فقال عندنا نحن الأحناف واجبة وتوجب سجود السهو فقلت إذا لماذا تعيد الصلاة وذكرته بحديث ذي اليدين الذي في البخاري وان رسول الله صلي الله عليه وسلم انحرف بل ترك مكانه وعندما ذكر عاد إلى مكانه وأكمل الصلاة ثم سجد لسهو. قال نحن سنعيد الصلاة. وأنا خرجت ولم أعيد معهم الصلاة هل فعلي هذا صحيح؟ وهل صحيح أن قراءة الفاتحة عند الأحناف من واجبات الصلاة وليست من الأركان.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
قراءة الفاتحة في الصلاة عند الأحناف ليست من أركان الصلاة، وإنما تجب في الأوليين مع سورة، وتندب في الأخريين دون قراءة سورة معها، ويكره تنزيها الجمع بينهما في الثالثة والرابعة، وإنما يقتصر فيهما على الفاتحة.
قال ابن نجيم رحمه الله:
" ثُمَّ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ , وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ , وَفِي الْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ , وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَسُنَّةٌ " انتهى.
"البحر الرائق" (١/٣١٢) .
فإذ ترك القراءة، بعد الفاتحة، في الأوليين، عامدا كان آثما، وإن كان ناسيا: سجد للسهو.
قال الكاساني رحمه الله:
" أمَّا الْوَاجِبَاتُ الْأَصْلِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ فَسِتَّةٌ: مِنْهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رَكْعَتَيْنِ , وَفِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَالثَّلَاثِ , حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا: فَإِنْ كَانَ عَامِدًا كَانَ مُسِيئًا , وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ " انتهى.
"بدائع الصنائع" (١/١٦٠)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (٢٤/٢٣٧-٢٣٨) :
" جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ التتارخانية الأَْصْل أَنَّ الْمَتْرُوكَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: فَرْضٌ، وَسُنَّةٌ، وَوَاجِبٌ، فَفِي الْفَرْضِ إِنْ أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ يَقْضِي وَإِلَاّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي السُّنَّةِ لَا تَفْسُدُ، لأَِنَّ قِيَامَ الصَّلَاةِ بِأَرْكَانِهَا وَقَدْ وُجِدَتْ، وَلَا يُجْبَرُ تَرْكُ السُّنَّةِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَفِي الْوَاجِبِ إِنْ تَرَكَ سَاهِيًا يُجْبَرُ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا لَا.
وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَهْوًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا، وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ، وَالسَّهْوِ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا آثِمًا " انتهى.
هذا، مع أن الصحيح في المسألة قول جمهور العلماء: أن قراءة الفاتحة في كل ركعة: ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة بدونه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) . متفق عليه.
وينظر جواب السؤال رقم (١٠٩٩٥) .
ثانيا:
سبق أن قراءة سورة بعد الفاتحة في الأوليين واجب عند الأحناف، وأما عند جمهور العلماء: فقراءتها سنة مستحبة، فلو تركها سهوا أو عمدا: صحت صلاته.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؛ فَمَا أَسْمَعَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ) . رواه البخاري (٧٧٢) ومسلم (٢٩٦) .
قال النووي رحمه الله:
" فِيهِ دَلِيل لِوُجُوبِ الْفَاتِحَة وَأَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرهَا , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب السُّورَة بَعْدهَا , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ فِي الصُّبْح وَالْجُمْعَة وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلّ الصَّلَوَات , وَهُوَ سُنَّة عِنْد جَمِيع الْعُلَمَاء. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ بَعْض أَصْحَاب مَالِك وُجُوب السُّورَة وَهُوَ شَاذّ مَرْدُود ".
وينظر: "المغني"، لابن قدامة (١/٥٦٨) .
وقال علماء اللجنة:
" من نسي السورة بعد الفاتحة في الصلاة فلا شيء عليه سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، وذلك في أصح قولي العلماء " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٧ / ١٤٦) .
ثالثا:
ما فعله الإمام لا يوجب إعادة الصلاة، بل ولا يوجب سجودا للسهو عند عامة أهل العلم؛ أما عند جمهور العلماء: فواضح؛ لأن أصل القراءة عندهم سنة مستحبة، فلو تركها عمدا، أو سهوا: صحت صلاته، ولا شيء عليه؛ فكيف إذا كان الإمام قد قرأ فعلا بعد الفاتحة، وإنما ـ فقط ـ ترك القراءة بعد سجود التلاوة.
وأما عند الأحناف الذين يرون أن أصل القراءة بعد الفاتحة واجب: فهنا الإمام قد أتى بهذا الواجب، وهو ما قرأه قبل سجود التلاوة، وما يقرؤه بعد هذا السجود: على سبيل الاختيار، لا الوجوب، كما نصوا على ذلك:
" ولو سجد يعود إلى القيام؛ لأنه يحتاج إلى الركوع، والركوع لها يكون من القيام، ويقرأ بقية السورة ... ، ولو شاء ضم إليها من السورة الأخرى ...
وهذه القراءة بعد السجدة بطريق الندب، لا بطريق الوجوب ".
"المحيط البرهاني" (٢/٧١) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (٢٤/٢٢٣) :
" وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ (سجود التلاوة) قَامَ وَلَا يَجْلِسُ لِلاِسْتِرَاحَةِ، فَإِذَا قَامَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ، فَإِنِ انْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ: جَازَ إِذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْل سُجُودِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الاِنْتِصَابِ قَائِمًا، لأَِنَّ الْهُوِيَّ إِلَى الرُّكُوعِ مِنَ الْقِيَامِ وَاجِبٌ " انتهى.
وقال علماء اللجنة الدائمة:
" ليس على من سجد لتلاوة آية سجدة في آخر سورة كـ: (الأعراف) و (النجم) و (اقرأ) وهو في الصلاة أن يقرأ قرآنا بعدها وقبل الركوع، وإن قرأ فلا بأس " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٧ / ٢٦٠)
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب