للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تسجد على كرسي وتترك السجود على الأرض لعملها في معمل به جراثيم؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة أعمل في مجال الأبحاث الطبية ويتطلب مني عملي ارتداء ملابس خاصة، كقناع الوجه ورداء عازل يغطي جميع ملابسي التي أرتديها وارتداء القفازات المطاطية وارتداء بوت خاص، وأحيانا يداهمني وقت الصلاة وأنا أجري تجربة معينة فأقف عند نقطة معينة للصلاة وأقوم بالصلاة وأنا أرتدي هذه الملابس وأستخدم الكرسي للجلوس عليه عند السجود، فأنا لا أستطيع السجود على الأرض لوجود الجراثيم الممرضة. وهذه الغرفة خاصة فلا يدخلها أحد غيري. فهل تكون صلاتي جائزة على هذه الحالة؟ ثم أرسلنا إلى السائلة لتوضيح بعض النقاط: ١- هل يمكن وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، وتتمكنين من السجود عليه؟ نعم يمكنني استعمال بعض الأغطية التي يوفرها لنا عملي لإجراء التجارب ولكني عندما أنتهي منها يجب التخلص منها في مكان خاص بالنفايات البيولوجية، وقد أحتاج لغطائين كل يوم، ولكن أليس من المفترض أن هذه الأغطية يوفرها عملي للاستعمال لأجل التجارب وأعتقد أن استعمالها لأمر شخصي لا يجوز ولهذا لا أحب استعمالها. رغم أنني اليوم استعملتها وكنت غاية في السعادة، قد أسأل مسئولي المباشر إذا كان بإمكاني استعمالها لهذا الغرض ولكني أعلم أنه ليس بيده شيء فهذه تعتبر ممتلكات الحكومة وهو مثلي موظف. ٢- هل يمكن تغطية وجهك بالقناع أو غيره، والسجود به على الأرض؟ نعم يمكن ذلك ولكني سيظل هناك خوف داخلي، وصدقا هذا والله سيقطع علي خشوعي في صلاتي، التفكير بأنه قد يصلني شيء من هذه الجراثيم. ٣- ألا يوجد متسع من الوقت للخروج من هذه الغرفة لأداء الصلاة التي لا تستغرق إلا نحو خمس دقائق؟ أحيانا يكون هناك متسع من الوقت ولكني صراحة قد يكون بسبب كسلي لأنني عند دخولي إلى الغرفة يجب أن أرتدي لباساً خاصاً وعند خروجي يجب علي التخلص منه قبل الخروج، ودخولي مرة ثانية يعني أن ألبس ذلك اللباس مرة أخرى، ولكن هذه أيضا ليست مشكلة وسوف أحاول قدر الإمكان أن أؤدي صلاتي على الشكل المقبول بإذن الله، ولكن أحيانا أخرى لا يمكنني الخروج وقد أستغرق في تجربتي أربع ساعات. ٤- ما مدى إمكانية الجمع بين الصلاتين، بحيث يكون لديك وقت خارج هذه الغرفة، تتمكنين فيه من أداء الظهر والعصر معا، أو المغرب والعشاء معا؟ صراحة فيه إمكانية ولكني أحب دائما وأبدا أن أصلي الصلاة في وقتها ولهذا لا أجد ضرورة لجمع الصلاة إذ بإمكاني أن أصليها في أي مكان وعندنا في المستشفى التابع للجامعة مكان للعبادة يمكنني الذهاب إليه للصلاة. فاليوم مثلا صليت الظهر في غرفة الميكروبات والعصر في مكان العبادة. ٥- مدى الحاجة والاضطرار إلى هذا النوع من العمل? أنا بعملي هذا أقدم خدمة لمئات الملايين من البشر المصابين بالفيروس الذي أدرسه والذي غالبا ما يؤدي إلى موت المصاب.. فأنا أحاول الوصول لعلاج فعال له يساعد هؤلاء ويخفف آلامهم، أعرف تماما خطورة الدراسة التي أقوم بها ولكن (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) أنا لا أسعى لمنصب ولا شهرة ولا أهتم بالمادة وهذه بالنسبة لي أمور سخيفة ولكني أسعى لمرضاة الله سبحانه وتعالى بكل عمل أقوم به بإذن الله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

نشكر لك هذا التوضيح والبيان، ونسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والعون.

ثانيا:

الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد أمر الله تعالى بالمحافظة عليها وأدائها في أوقاتها، كما قال سبحانه: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) النساء/١٠٣، وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: (الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا) رواه البخاري (٥٢٧) ومسلم (٨٥) .

وحذّر سبحانه من التفريط في الصلاة وتضييعها فقال: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم/٥٩.

قال ابن مسعود رضي الله عنه عن الغي: واد في جهنم، بعيد القعر، خبيث الطعم.

وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) الماعون/ ٤، ٥.

فالواجب أن يعتني الإنسان بصلاته، وأن يؤديها في وقتها إلا إذا وجد عذر يبيح له جمع الصلاتين.

والسجود ركن من أركان الصلاة لا يجوز للقادر أن يتركه، ولا تصح صلاة من تركه بغير عذر، وكذلك الجلوس بين السجدتين، والجلوس للتشهدين وللسلام، كل ذلك من أركان الصلاة التي لا تصح بدونها.

وقد تبين من كلامك وفقك الله أنه يمكنك وضع شيء على الأرض يقيك من الجراثيم، ويكفي أن يأذن لك المسئول المباشر باستعمال هذه الأغطية، وإذا كانت الحكومة توفر هذه الأغطية لعملك، فإن من مسؤوليات الحكومة أن توفر لك مكاناً آمناً تصلين فيه، لا سيما وعملك هذا من الأهمية بمكان، لتلك الحكومة ولغيرها، ولذلك لا نرى حرجاً من استعمال هذه الأغطية في الصلاة بعد إعلام المسئول المباشر بذلك.

فإن تعذر الحصول على هذه الأغطية، فنرى أن تضعي القناع على وجهك، وتحسني الظن بالله وتتوكلي عليه فإنه لن يصيبك مكروه إن شاء الله إلا إذا كان خوفك من الجراثيم في هذه الحالة خوفاً حقيقاً له أساس صحيح يبنى عليه، وليس مجرد وساوس أو مبالغة في الخوف والحذر.

وإذا وجدت فرصة للخروج من غرفتك لأداء الصلاة، ففي هذا خروج من الحرج كله، فلن تحتاجي إلى أغطية أو قناع، وما يلحقك من مشقة في ارتداء الملابس ونزعها، أمر ينبغي أن تصبري عليه، ولن يضيع أجرك عند الله تعالى.

وإذا قُدّر انشغالك بتجربة تستغرق وقت الصلاة، جاز لك جمع الصلاة إلى ما يجوز أن تجمع إليه، تقديما أو تأخيرا، ولا يخفى عليك أن ما يجوز جمعه هو الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء فحسب.

وصلاتك في هذه الحالة تعتبر في وقتها لأنه إذا وجد العذر الذي يبيح الجمع بين الصلاتين فإنه يجعل وقت الصلاتين وقتاً واحداً.

وبهذا يتبين لك أن جميع الأمور المذكورة من استعمال الأغطية والقناع والخروج من الغرفة والجمع بين الصلاتين، كل ذلك مقدم على ترك السجود على الأرض، بل لا نرى لك – والحال ما ذكرت- جوازَ ترك السجود على الأرض؛ لعدم وجود العذر الملجئ إلى ذلك.

واعلمي أن من اتقى الله تعالى وفّقه وسدده، ويسر له أمره، فإذا حرصت على أداء الصلاة كما أمرك الله، فستجدين السبيل إلى ذلك بإذنه سبحانه.

ونسأل الله أن يزيدك علما وفقها وهدى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>