هل يجوز أن يبيع مواد البناء للنصارى لبناء كنيسة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا رجل أعمال أتاجر في أدوات البناء، وقد طلب مني القائمون على إحدى الكنائس أن أمدهم ببعض المواد لإكمال بنائها، فهل هذا جائز؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا تجوز معاونة أهل الشرك على شركهم؛ فإن في ذلك نوع إقرار لهم بما يفعلونه من الشرك والكفر بالله العظيم، مع نوع موالاة ظاهرة، وضعف في المعاداة والمنابذة التي يجب أن يكون عليها المسلم تجاههم.
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، فقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/٢
وإذا كان المسلم منهيا عن معاونة المسلم على ما فيه معصية الله، فكيف بإعانة غير المسلم على الشرك بالله؟!
وقد كتب عمر رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام كتاباً وشرط عليهم فيه أن لا يحدثوا في مدنهم ولا ما حولها ديراً ولا صومعة ولا كنيسة ولا قلاية لراهب، ولا يجددوا ما خرب من ذلك.
ولا يرفعوا أصواتهم بقراءتهم في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين.
"جامع الرسائل" (ص ١٠٤)
وجاء في "المدونة الكبرى" (٤/١٥٠) :
" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ , أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ كَنِيسَةٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ ; لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُكْرِي دَاره وَلَا يَبِيعَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا كَنِيسَةً , وَلَا يُكْرِي دَابَّتَهُ مِمَّنْ يَرْكَبُهَا إلَى الْكَنِيسَةِ " انتهى.
وجاء في "مواهب الجليل" (٥/٤٢٤) :
" أَنْ يُؤَاجِرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِكَنْسِ كَنِيسَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ , أَوْ لِيَرْعَى الْخَنَازِيرَ أَوْ لِيَعْصِرَ لَهُ خَمْرًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ , وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ بِجَهَالَةٍ " انتهى.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (٤/٢٢٥)
َ" أَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَاءً أَوْ نِجَارَةً أَوْ غَيْرَهُ فِي كَنَائِسِهِمْ الَّتِي لِصَلَوَاتِهِمْ " انتهى.
وفي "حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج" (٥/٢٧٤) :
" لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا لِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ لِحُرْمَةِ بِنَائِهَا، وَإِنْ أُقِرَّ عَلَيْهِ " انتهى.
ونحوه في حاشية قليوبي (٣/٧١)
وقال السبكي في "فتاويه" (٢/٣٦٩) :
" ِبنَاءَ الْكَنِيسَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ , وَكَذَا تَرْمِيمُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ وَصَّى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ; لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَا تَرْمِيمُهَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَصِّي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا , وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَ الْوَقْفُ بَاطِلًا، مُسْلِمًا كَانَ الْوَاقِفُ أَوْ كَافِرًا. فَبِنَاؤُهَا وَإِعَادَتُهَا وَتَرْمِيمُهَا مَعْصِيَةٌ، مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ أَوْ كَافِرًا؛ هَذَا شَرْعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى.
وقال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم وقد سأله رجل بنّاء: أبني ناووسا (مقابر) للمجوس؟ فقال:
" لا تبن لهم " انتهى.
وقال أبو الحسن الآمدي: " لا يجوز أن يؤجر نفسه لعمل ناووس ونحوه رواية واحدة "
انتهى.
"أحكام أهل الذمة" (١/٥٦٩) ، وانظر اقتضاء الصراط، لابن تيمية (٢٤٤)
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
المسلم الذي وظيفته بناء، هل يجوز له أن يبني كنيسة للكفار؟
فأجاب علماء اللجنة:
" لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبني كنيسة أو محلا للعبادة ليس مؤسسا على الإسلام الذي بعث الله به محمدا؛ لأن ذلك من أعظم الإعانة على الكفر، وإظهار شعائره، والله عز وجل يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/٢ " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (١٤/٤٨٢)
وسئل الشيخ صالح الفوزان:
حصل وأن اشتغلت عاملاً في إحدى الكنائس بأجرٍ يومي، فما حكم هذا الأجر الذي أخذته أهو حلال أم حرام؟
فأجاب الشيخ:
" لا يجوز للمسلم أن يعمل في أماكن الشرك وعبادة غير الله عز وجل، من الكنائس والأضرحة وغير ذلك؛ لأنه بذلك يكون مقرًّا للباطل، ومعينًا لأصحابه عليه، وعمله محرم، فلا يجوز له أن يتولى هذا العمل، وما أخذته من الأجر، مقابلاً لهذا العمل: كسبٌ محرم، فعليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ولو تصدقت بهذا المبلغ الذي حصلت عليه لكان أبرأ لذمتك، ويكون دليلاً على صحة ندمك وتوبتك " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (٤٠/٥)
راجع السؤال رقم (٣٦٥٢٤) ، (١٠٥٤٥٨)
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب