استثناء عرائس البنات من الصور المحرمة
[السُّؤَالُ]
ـ[لقد قرأت إجاباتك فيما يتعلق بالصور المسطحة والمجسمة وقلت أن هذه الصور المجسمة حرام. فلماذا كانت عائشة رضي الله عنها تلعب بعرائس العهن وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؟ هناك مسلمون ملتزمون وأولادهم عندهم عرائس لعب فما الحكم؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تلك اللعب التي من العهن لا تعتبر صورة، لأنها ليس لها رأس سوى قطعة من العهن وليس فيها معالم الوجه: لا عين ولا أنف، ولا فم ولا أذن، والصورة إذا خلت من الرأس وما فيه المعالم زالت عنها الحرمة.
ثم لو سلمنا بأنها صورة، فهذا لا يعني إباحة الصور مطلقا، وإنما هو استثناء من الحرمة لأجل غرض شرعي وهو تعليم البنات حضانة الأطفال وتنمية حس الأمومة في أنفسهن إعداد لهم للمستقبل.
وقد اسْتَثْنَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَصِنَاعَةِ التَّمَاثِيلِ صِنَاعَةَ لُعَبِ الْبَنَاتِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَوَازَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ , وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ , فَقَالَ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ تَصْوِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ , وَمِنْ اتِّخَاذِهِ لُعَبَ الْبَنَاتِ , لِمَا وَرَدَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا يَعْنِي جَوَازَهَا , سَوَاءٌ أَكَانَتْ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ تِمْثَالِ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ , مُجَسَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُجَسَّمَةٍ , وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَمْ لا , كَفَرَسٍ لَهُ جَنَاحَانِ. ..
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: {كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي , فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ , فَيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ , فَيَلْعَبْنَ مَعِي} . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: {قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ , وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ , فَهَبَّتْ رِيحٌ , فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ , فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهَا جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ , فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ. فَقَالَ: فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟ قَالَتْ: أَمَا سَمِعْت أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْت نَوَاجِذَهُ} . وَقَدْ عَلَّلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ هَذَا الاسْتِثْنَاءَ لِصِنَاعَةِ اللُّعَبِ بِالْحَاجَةِ إلَى تَدْرِيبِهِنَّ عَلَى أَمْرِ تَرْبِيَةِ الأَوْلادِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ إنْسَانٍ , وَلا يَظْهَرُ فِي أَمْرِ الْفَرَسِ الَّذِي لَهُ جَنَاحَانِ , وَلِذَا عَلَّلَ الْحَلِيمِيُّ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ , وَهَذَا نَصُّ كَلامِهِ , قَالَ: لِلصَّبَايَا فِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا عَاجِلَةٌ وَالأُخْرَى آجِلَةٌ. فَأَمَّا الْعَاجِلَةُ , فَالاسْتِئْنَاسُ الَّذِي فِي الصِّبْيَانِ مِنْ مَعَادِنِ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ. فَإِنَّ الصَّبِيَّ إنْ كَانَ أَنْعَمَ حَالا وَأَطْيَبَ نَفْسًا وَأَشْرَحَ صَدْرًا كَانَ أَقْوَى وَأَحْسَنَ نُمُوًّا , وَذَلِكَ لأَنَّ السُّرُورَ يُبْسِطُ الْقَلْبَ , وَفِي انْبِسَاطِهِ انْبِسَاطُ الرُّوحِ , وَانْتِشَارُهُ فِي الْبَدَنِ , وَقُوَّةُ أَثَرِهِ فِي الأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَمَّا الآجِلَةُ فَإِنَّهُنَّ سَيَعْلَمْنَ مِنْ ذَلِكَ مُعَالَجَةَ الصِّبْيَانِ وَحُبَّهُمْ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ , وَيَلْزَمُ ذَلِكَ طَبَائِعَهُنَّ , حَتَّى إذَا كَبَرْنَ وَعَايَنَ لأَنْفُسِهِنَّ مَا كُنَّ تَسَرَّيْنَ بِهِ مِنْ الأَوْلادِ كُنَّ لَهُمْ بِالْحَقِّ كَمَا كُنَّ لِتِلْكَ الأَشْبَاهِ بِالْبَاطِلِ. هَذَا وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَعْضِ دَعْوَى أَنَّ صِنَاعَةَ اللُّعَبِ مُحَرَّمَةٌ , وَأَنَّ جَوَازَهَا كَانَ أَوَّلا , ثُمَّ نُسِخَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ التَّصْوِيرِ. وَيَرُدُّهُ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ مُعَارَضَةٌ بِمِثْلِهَا , وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الإِذْنُ بِاللُّعَبِ لاحِقًا. عَلَى أَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي اللُّعَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهِ , فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ , فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا. (الموسوعة الفقهية - مادة تصوير) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد