للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقدير المسافات في الأحاديث النبوية

[السُّؤَالُ]

ـ[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وفى حديث آخر فيما معناه: (وإن ريحها ليشم من مسيرة مئة عام) والسؤال هو: لماذا عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسافة بوحدة زمنية وهي العام، أما كان أحرى أن يقول: مائة كيلو، أو أي وحدة من وحدات المسافة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الواجب على المؤمن أن يكون معظماً للرسول صلى الله عليه وسلم متأدباً معه، ولا يجوز له أن يجترئ على مقام النبوة فيزعم أن الأفضل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول كذا ولا يقول كذا، فمقام النبوة أعظم من هذا، فما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل وهو الأحكم والأحسن.

ولا مانع من أن يسأل المؤمن عن حكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، ولكن يختار لذلك من الألفاظ ما لا يخدش جناب النبوة ومقامها العظيم.

ثانياً:

بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العرب وكانوا أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة/٢، وكانت أشهر مقاييسهم في تحديد المسافات هي تحديد ذلك بالمسافة التي تقطع في الوقت معين.

فذلك الضبط بالنسبة لهم كان أظهر وأوضح في بيان المقصود من أي تقدير آخر، لأنهم كانوا يكثرون السفر والتنقل، ويعرفون كم تقطع الإبل بهم في مسيرة اليوم والليلة الواحدة، فكثر ذلك في خطابهم.

فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل المقاييس المشهورة المعروفة عندهم، حتى يحصل المقصود من الكلام، ويفهم معناه، ولو تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمقاييس غير المشهورة عندهم لكان هذا خلاف البيان والبلاغة، حيث يخاطب الناس بما لا يعرفون، أو بما لا يعرفه أكثرهم، من غير فائدة لذلك.

وليس في تحديد المسافة بذلك أي غضاضة، بل هو أمر اصطلاحي يختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يزال هذا التقدير مستعملاً إلى اليوم.

فنحن نسمع اليوم في المقاييس الحديثة ما يسمى بـ "السنة الضوئية": وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، يعني مسيرة سنة بالنسبة للضوء. فهذا يوافق التقدير المنقول في بعض الأحاديث، والتقدير المشهور عند العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وفي صدر الإسلام.

قال الدكتور جواد علي:

"استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد، ولا سيما في الأسفار. فاستعملوا مصطلح: مسيرة ساعة، ومسيرة ليلة، ومسيرة نهار، ومسيرة قافلة، وأمثال ذلك، وقصدوا بذلك معدَّل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة" انتهى.

"المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (١٤/٣١٣) .

وقد جاء في السنة النبوية استعمال مصطلح "الميل":

فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ) رواه مسلم (٢٨٦٤) .

كما استعمل العرب وحدة: " الإصبع "، و " الشبر "، و" الباع "، و " البريد "، و " الفرسخ "، وغير ذلك من الوحدات المشتهرة في كتب الفقهاء، ويمكن الرجوع إلى بعض الدراسات المعاصرة التي تبين مقادير هذه الوحدات بالمقاييس المعاصرة. منها بحث الشيخ عبد الله بن منيع المقدم للندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>