للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يجوز عمل مصلى تكون فيه النساء أمام الإمام؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ما حكم عمل مكان مخصص لصلاة النساء (التراويح) أمام المسجد (أي: سيكون المصلى مقدماً على الإمام يفصل بينهم جدار المسجد) وليس هناك مكان آخر لصلاة النساء؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، فعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ. قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

رواه أحمد (٢٦٥٥٠) وصححه ابن خزيمة (١٦٨٩) ، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (٣٤٠) .

قال عبد العظيم آبادي رحمه الله:

ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل للأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.

"عون المعبود" (٢/١٩٣) .

ومع ذلك: فإذا أرادت المرأة أن تذهب إلى المسجد للصلاة فلا يجوز لأحد منعها إذا التزمت بالشروط الشرعية لخروجها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) رواه البخاري (٨٦٥) ومسلم (٤٤٢) .

وانظر السؤال (٩٢٣٢) .

ثانياً:

الأصل في صلاة الجماعة أن يكون المأموم خلف إمامه، وقد اختلف العلماء في حكم من صلَّى أَمام إمامه على أقوال، أصحها: الجواز للعذر.

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

هل تجزئ الصلاة قدام الإمام أو خلفه في المسجد وبينهما حائل أم لا؟

فأجاب:

" أما صلاة المأموم قدَّام الإمام: ففيها ثلاثة أقوال للعلماء:

أحدها: أنها تصح مطلقا , وإن قيل: إنها تكره , وهذا القول هو المشهور من مذهب مالك , والقول القديم للشافعي.

والثاني: أنها لا تصح مطلقا , كمذهب أبي حنيفة , والشافعي , وأحمد في المشهور من مذهبهما.

والثالث: أنها تصح مع العذر دون غيره، مثل ما إذا كان زحمة فلم يمكنه أن يصلي الجمعة أو الجنازة إلا قدام الإمام , فتكون صلاته قدام الإمام خيراً له من تركه للصلاة.

وهذا قول طائفة من العلماء , وهو قولٌ في مذهب أحمد وغيره، وهو أعدل الأقوال وأرجحها؛ وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة , والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة , فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط ; ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه من القيام , والقراءة , واللباس , والطهارة , وغير ذلك.

وأما الجماعة فإنه يجلس في الأوتار لمتابعة الإمام (يعني يجلس بعد الركعة الأولى والثالثة، وهذا فيمن دخل الصلاة متأخراً ركعة) , ولو فعل ذلك منفردا عمدا بطلت صلاته , وإن أدركه ساجدا أو قاعدا كبر وسجد معه , وقعد معه ; لأجل المتابعة، مع أنه لا يعتد له بذلك , ويسجد لسهو الإمام , وإن كان هو لم يسه.

وأيضاً: ففي صلاة الخوف لا يستقبل القبلة , ويعمل العمل الكثير ويفارق الإمام قبل السلام , ويقضي الركعة الأولى قبل سلام الإمام , وغير ذلك مما يفعله لأجل الجماعة , ولو فعله لغير عذر بطلت صلاته ... .

والمقصود هنا: أن الجماعة تفعل بحسب الإمكان , فإذا كان المأموم لا يمكنه الائتمام بإمامه إلا قدامه كان غاية [ما] في هذا أنه قد ترك الموقف لأجل الجماعة , وهذا أخف من غيره , ومثل هذا أنه منهي عن الصلاة خلف الصف وحده , فلو لم يجد من يصافه ولم يجذب أحدا يصلي معه صلى وحده خلف الصف , ولم يَدَعْ الجماعة , كما أن المرأة إذا لم تجد امرأة تصافها فإنها تقف وحدها خلف الصف , باتفاق الأئمة، وهو إنما أُمِرَ بالمصافة مع الإمكان لا عند العجز عن المصافة.

" الفتاوى الكبرى " (٢ / ٣٣١ – ٣٣٣) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟

فأجاب:

" الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة " إمام " أن يكون إماماً، يعني يكون قدوة، ويكون مكانه قدام المأمومين، فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة رضي الله عنهم، وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة، ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً، وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة " انتهى.

"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (١٣/٤٤) .

وعلى هذا؛ فإكم تجتهدون في جعل مكان النساء خلف الإمام، فإن لم يوجد مكان، ولم يمكن إلا قدام الإمام، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>