للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعاشرة الزوجية مع وجود الطفل الرضيع

[السُّؤَالُ]

ـ[ما مدى صحة حديث: (إذا أراد الرجل أن يجامع زوجته يخرج الرضيع من الغرفة) ؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

الحياء خلق المسلم، يرتفع به عن كل دنيء من الأعمال والأقوال، ويحافظ به على كريم العادات وجميل الصفات، وهو من الإيمان، وعلامة الفضل والإحسان، وهو أيضا من الفطرة التي ركبها الله في النفس البشرية، لا يتركه إلا من ارتكست فطرته وبلي إيمانه.

وللحياء مظاهر كثيرة، منها: التستر حال الجماع عن أعين الآخرين، بل وعَن سمع الآخرين، عن كل مَن يدرك ويميز ما يراه ويسمعه؛ لما في الجماع من كشف العورات التي جاء الإسلام بسترها، ولما يخشى من إثارة شهوة الناظر أو السامع، ووقوع ذلك في قلبه موقعا سيئا، أو تحدثه بما رآه بين الناس، فينشر أسرار البيوت التي بناها الإسلام على الستر والعفة والحياء.

قال ابن حزم في "المحلى" (٩/٢٣١) :

" الاستتار بالجماع فرض , لقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) " انتهى.

وقال ابن قدامة في "المغني" (٩/٢٢٨) :

"لا يجامع بحيث يراهما أحد , أو يسمع حسهما، ولا يقبلها ويباشرها عند الناس.

قال أحمد: ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله" انتهى.

أما إخراج من لا يميز ولا يدرك كالطفل الرضيع فلم يرد فيه أمر من الشرع، وليس فيه حديث نبوي، والنص الذي ورد في السؤال ليس بحديث، وإنما هو قول لبعض فقهاء المالكية، اعتمادا على أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أراد جماع أهله أخرج الصبي في المهد، مبالغة في التستر والحياء، وليس بيانا لحكم شرعي ولا إيجابا له، ولا بأس بتقليده لمن أحبه ووجد سعة في بيته ولم يخش ضررا على الطفل أن يمكث وحده من غير مراقبة، أما أن يقال بلزومه مطلقا، فهذا بعيد.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (٣/١٧٨) :

"يُخِلُّ بالاستتار وجود شخص مميز مستيقظ معهما في البيت , سواء أكان زوجة , أم سرية (أَمَة) , أم غيرهما , يرى أو يسمع الحس , وبه قال الجمهور , وقد سئل الحسن البصري عن الرجل يكون له امرأتان في بيت , قال: كانوا يكرهون – يعني: يُحَرِّمُون، كما هو اصطلاح السلف - أن يطأ إحداهما والأخرى ترى أو تسمع.

ويُخِلُّ بالاستتار وجود نائم , نص على ذلك المالكية , فقال الرهوني في "حاشيته على شرح الزرقاني لمتن خليل": لا يجوز للرجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت (يعني في نفس الغرفة) أحد يقظان أو نائم؛ لأن النائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال.

ويَخِلُّ بالاستتار - عند جمهور المالكية - وجود صغير غير مميز , اتباعا لابن عمر الذي كان يخرج الصبي في المهد عندما يريد الجماع.

وذهب الجمهور - ومنهم بعض المالكية - إلى أن وجود غير المميز لا يخل بالاستتار ; لما فيه من مشقة وحرج " انتهى.

وانظر: "المدخل" لابن الحاج المالكي (٢/١٨٤) .

وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (٥/٣٨٠) – من الطبعة المصرية -:

" الصحيح في هذه المسألة أنه يحرم الوطء بمرأى أحد، اللهم إلا إذا كان الرائي طفلاً لا يدري، ولا يتصور، فهذا لا بأس به، أما إن كان يتصور ما يفعل، فلا ينبغي أيضاً أن يحصل الجماع بمشاهدته ولو كان طفلاً؛ لأن الطفل قد يتحدث بما رأى عن غير قصد.

فالطفل الذي في المهد - مثلاً – له أشهر، هذا لا بأس به؛ لأنه لا يدري عن هذا الشيء، ولا يتصوره، لكن من له ثلاث سنوات، أو أربع سنوات، يأتي الإنسان أهله عنده، فهذا لا ينبغي؛ لأن الطفل ربما في الصباح يتحدث، فلهذا يكره أن يكون وطؤه بمرأى طفلٍ، وإن كان غير مميز، إذا كان يتصور ويفهم ما رأى " انتهى.

والخلاصة: أن ما ذكر في السؤال ليس بحديث نبوي، وإنما هو قول لبعض الفقهاء، والصواب الذي عليه الجمهور أنه لا حرج من وجود الطفل الرضيع حال الجماع.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>