للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من قال في طاعة: أعاهد الله على كذا لزمته لزوم النذر واليمين

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا كنت مريضة، والحمد لله شفيت من المرض، وقلت: عهد مني أمام الله ما أحضر صالات الأفراح. وزوجي طلب مني الحضور في حفل زفاف شقيقه، وأتمني منكم الجواب. وفقكم الله.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

قول العبد: أعاهد الله، أو عليّ عهد الله، أو لله عليّ عهد، ونحو ذلك: حكمه حكم النذر واليمين.

قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة / ٧٥.

وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) الإسراء / ٣٤

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

" إِذَا قَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ أَنِّي أَحُجُّ الْعَامَ فَهُوَ نَذْرٌ وَعَهْدٌ وَيَمِينٌ " انتهى.

"الاختيارات العلمية" (ص ٢٨٦)

وقال أيضا:

" أمر سبحانه بالوفاء بالعقود وهذا عام، وكذلك أمر بالوفاء بعهد الله وبالعهد. وقد دخل في ذلك ما عقده المرء على نفسه بدليل قوله: (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل) ، فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه، وإن لم يكن الله قد أُمِر بنفس ذلك المعهود عليه قبل العهد، كالنذر والبيع إنما أمر بالوفاء به " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢٩ / ١٣٨)

وقال ابن حزم رحمه الله:

" لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عَمَلُ بِرٍّ: فَيُجْزِيهِ تَسْبِيحَةٌ، أَوْ تَكْبِيرَةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ صَوْمٌ، أَوْ صَلَاةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. وَسَوَاءٌ قَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ نَذْرًا، أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَى للَّهِ كَذَا وَكَذَا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ " انتهى.

"المحلى" (٨ / ٢٧) .

ثانيا:

صالات الأفراح التي عاهدت ربك ألا تذهبي إليها لا تخلو عادة من منكرات الاختلاط والموسيقى والتبرج والسفور، وغير ذلك مما هو معلوم؛ وهو الأمر الذي جعلت تعاهدين ربك على ألا تشاركي فيه، شكرا له على نعمة الشفاء؛ وحينئذ: فلا يجوز لك الذهاب إلى هذه الصالات، بل هي محرمة عليك من وجهين: من جهة ما فيها من المنكرات، ومن جهة أنك عاهدت ربك على ألا تذهبي إليها.

قد روى البخاري (٦٦٩٦) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) .

وأما إذا قدر أن الصالة التي يعقد فيها حفل شقيق زوجك: ليس فيها شيء من المنكرات الشرعية، من الغناء والموسيقى والاختلاط بالنساء، وغير ذلك من المنكرات. أو أنهم منعوا وجود هذه المنكرات في حفلهم: فذهاب إليه مباح من حيث الأصل، لكنك منعت نفسك منه بالنذر الذي نذرتيه. ولك أن تذهبي مع زوجك إلى هذه الصالة، ويلزمك كفارة يمين عن ذلك نذرك. ويترجح جانب الزواج إذا كان فيه رضى لزوجك، وخشيت المفسدة من عدم ذهابك.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

إذا أراد العبد من ربه حاجة، ثم اتجه إلى ربه يدعوه وقال: يا ربي، لك علي عهد إذا حققت طلبي ألا أفعل كذا أو كذا، ثم حقق الله لعبده الحاجة، وندم العبد على ما عاهد الله عليه؛ لأن في ذلك العهد مضايقة له، هل يجوز ترك هذا العهد مع الله؟

فأجاب رحمه الله تعالى:

" لابد أن نعلم ما الذي عاهد الله عليه أن يتركه:

إن كان شيئاً مباحا، مثل أن يقول: علي عهد الله ألا آكل الطعام الفلاني، فهنا نقول: كله وكفر عن نذرك؛ لأن هذا نذر مباح.

وأما إذا كان شيئا محرما، وقال: عليَّ عهد الله ألا أغتاب الناس. فإنه يجب عليه ألا يغتاب وتكون الغيبة عليه محرمة من وجهين: الوجه الأول: أنها في الأصل محرمة بل من كبائر الذنوب. والثاني: أنه عاهد الله على تركها إذا تحققت له الحاجة الفلانية وقد تحققت "

انتهى.

"فتاوى نور على الدرب" (١١/٢٩٢-٢٩٣) .

وأما إذا لم يكن الحفل في صالة من هذه الصالات أصلا، وإنما في المنزل، أو في غيره من الأماكن: فلا حرج عليك في الذهاب إلى هذا الحفل مع زوجك.

رابعا:

في الحال التي يحرم عليك أن تذهبي إلى هذه الصالات بحكم نذرك، وبحكم ما فيها من المنكرات: لا يحق لزوجك أن يجبرك على الذهاب إليها، بل عليه أن يتفهم موقفك، وأن يعرف أن طاعة الله أولى من طاعته.

كما عليك أيضا أنت أن تحسني عشرة زوجك، وأن تتلطفي في إقناعه بذلك، وتفهيمه ما عليك في هذا الأمر، ولو أمكنك أن تعوضيه عن ذلك بزيارة منزلية للعروس بعد تمام عرسه، أو نحو ذلك مما جرت به عادتكم في التواصل: فهو أمر حسن، إن شاء الله.

وينظر: إجابة السؤال رقم: (٢٠٤١٩) ، (٣٨٩٣٤)

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>