للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معنى اسم الله الخافض

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يمكن أن تشرح لي معنى اسم الله الخافض؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

قبل شرح معنى هذا الاسم لابد من العلم ببعض المسائل المهمة المتعلقة بأسماء الله تعالى:

أولاً: (الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي كتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرهما.

وعلى هذا فما ورد إثباته لله تعالى من ذلك في الكتاب والسنة وجب إثباته.

وما ورد نفيه فيهما وجب نفيه مع إثبات كمال ضده.

وما لم يرد إثباته ولا نفيه فيهما وجب التوقف في لفظه فلا يثبت ولا ينفى , لعدم ورود الإثبات والنفي فيه.

وأما معنى اسم الخافض فيُفصل فيه: فإن أريد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول , وإن أريد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده) ا. هـ من "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" لابن عثيمين.

ثانياً: (الفعل أوسع من الاسم , ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها بأسماء الفاعل , كأراد وشاء وأحدث , ولم يسم بـ " المريد" و"الشائي" و"المحدث" كما لم يسم نفسه بـ "الصانع" و"الفاعل" و"المتقن" وغير ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه , فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء.

وقد أخطأ خطأً كبيراً من اشتق له من كل فعل اسما , وبلغ بأسمائه زيادة على الألف , فسماه "الماكر , والمخادع , والفاتن , والكائد " ونحو ذلك.

وكذلك باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به , فإنه يخبر عنه بأنه "شيء وموجود ومذكور , ومعلوم , ومراد " ولا يسمى بذلك.

فأما " الواجد " فلم تجىء تسميته به إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى , والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , ومعناه صحيح , فإنه ذو الوجد والغنى , فهو أولى بأن يسمى به من "الموجود" ومن " الموجد " أما " الموجود " فإنه منقسم إلى كامل وناقص , وخير وشر (ففيه يكون الشيء كاملاً أو ناقصاً) , وما كان مسماه منقسما لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى , كالشيء والمعلوم , ولذلك لم يسم بـ " المريد" و"المتكلم" وأما "الموجد" فقد سمى نفسه بأكمل أنواعه , وهو "الخالق , البارئ , المصور " فـ "الموجد" كـ "المحدث، والفاعل، والصانع " , وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى , فتأمله , وبالله التوفيق) ا. هـ من "مدارج السالكين" لابن القيم (٣/٣٨٣_٣٨٥) .

ثالثاً: (أن ما يطلق على الله في باب الأسماء والصفات توقيفي , وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا , كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه , فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع) ا. هـ من "بدائع الفوائد" لابن القيم (١/١٦٢) .

رابعاً: (أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله , فإذا أطلق وحده أوهم نقصا تعالى الله عن ذلك , فمنها المعطي المانع , والضار النافع , والقابض الباسط , والمعز المذل , والخافض الرافع , فلا يطلق على الله عز وجل المانع الضار القابض المذل الخافض كلا على انفراده , بل لا بد من ازدواجها بمقابلاتها , إذ لم تطلق في الوحي إلا كذلك) ا. هـ من "معارج القبول" للحكمي (١/٦٤) .

إذا تبين ما سبق فاسم الخافض , لا يعرف أنه ورد إلا في حديث تعداد الأسماء الحسنى , والصحيح أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم , كما سبق في كلام ابن القيم , وهو ما قرره غير واحد من أهل العلم كالإمام ابن تيمية _ كما في "الفتاوى" (٦/٣٧٩_٣٨٠، ٨/٩٦، ٢٢/٤٨٢) _ والحافظ ابن كثير في "تفسيره" (٣/٥١٥) والحافظ ابن حجر في "الفتح" (١١/٢٢١) و"البلوغ" (١٣٩٥) وغيرهم.

ولكن معنى الاسم صحيح بشرط أن يقرن باسم الرافع , وثبت في "صحيح مسلم" (١٧٩) من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل ... " الحديث , وجاء في ذلك بعض الآثار عن السلف , ومن ذلك ما علقه البخاري في "صحيحه" (فتح _ ٨/٤٨٧) مجزوما به عن أبي الدرداء أنه قال في تفسير قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) الرحمن / ٢٩ قال: " يغفر ذنبا , ويكشف كربا , ويرفع قوما , ويضع آخرين ". وروي عنه مرفوعا.

إذا تبين هذا فلأهل العلم كلام في معنى الخافض , ومن ذلك ما يلي:

١_ قال الخطابي في "شأن الدعاء" (٥٨) : (الخافض الرافع: وكذلك القول في هذين الاسمين يستحسن أن يوصل أحدهما في الذكر بالآخر , فالخافض: هو الذي يخفض الجبارين ويذل الفراعنة المتكبرين , والرافع: هو الذي رفع أولياءه بالطاعة فيعلي مراتبهم وينصرهم على أعدائه ويجعل العاقبة لهم , لا يعلو إلا من رفعه الله , ولا يتضع إلا من وضعه وخفضه) ا. هـ.

٢_ وقال الحليمي _ كما في "الأسماء والصفات" للبيهقي (١/١٩٣) _: (ولا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرافع في الدعاء , فالخافض: هو الواضع من الأقدار , والرافع: المعلي للأقدار) ا. ـ.

٣_ وقال قِوام السنة الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (١/١٤٠) : (ومن أسمائه: الخافض الرافع , قيل: الخافض هو الذي يخفض الجبارين , ويذل الفراعنة , والرافع هو الذي يرفع أولياءه وينصرهم على أعدائهم , يخفض من يشاء من عباده فيضع قدره ويخمل ذكره ويرفع من يشاء فيعلي مكانه ويرفع شأنه , لا يعلو إلا من رفعه ولا يتضع إلا من وضعه. وقيل: يخفض القسط ويرفعه) .

ثم أورد حديث أبي موسى عند مسلم (٢٩٣) : " إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل الليل ".

ثم قال: (قال أهل العلم: ... ومعنى يخفض القسط ويرفعه , يخفض العدل بتسليط ذا الجور، ويرفع العدل بإظهاره العدل , يخفض القسط بأهل الجور , ويرفع العدل بأئمة العدل , وهو في خفضه العدل مرة ورفعه أخرى يبتلي عباده لينظر كيف صبرهم على ما يسؤهم , وشكرهم على ما يسرهم) ا. هـ

٤_ وقال الشيخ ابن سعدي في "الحق الواضح المبين" (٢٥٨) : (وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان , الخافض لأعدائه) ا. هـ

وقال في "توضيح الكافية الشافيه" (٣٩٠) : (واعلم أن صفات الأفعال ... كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة , والمشيئة النافذة , والحكمة الشاملة التامة , وهي كلها قائمة بالله , والله متصف بها , وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير والنفع والضر والعطاء والحرمان والخفض والرفع , لا فرق بين محسوسها ومعقولها , ولا بين دينيها ودنيويها) ا. هـ

٥_ وقال الشيخ محمد خليل هراس في "شرح القصيدة النونية" (٢/١١٤) : (وهو سبحانه الخافض الرافع , يخفض الكفار بالإشقاء والإبعاد , ويرفع أولياءه بالتقرب والإسعاد , ويداول الأيام بين عباده , فيخفض أقواما , يخمل شأنهم , ويذهب عزهم , ويرفع آخرين فيورثهم ملكهم وديارهم) ا. هـ

وكل هذه الأقوال حق , وهي داخلة في معنى اسمي: الخافض الرافع.

والله تعالى أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الشيخ محمد صالح المنجد

<<  <  ج: ص:  >  >>