للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يجوز ترك العمل الصالح بحجة شفاعة المؤمنين لنا يوم القيامة

[السُّؤَالُ]

ـ[قرأت أن الشخص الصالح في الأسرة يشفع في أهل بيته، فيخرج الله مَن كان منهم في النار إكراماً له، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فهل معنى هذا أن لفرد من أفراد الأسرة أن يفعل المنكرات ويشرب المحرمات طالما أن هناك شخصا صالحا في أسرته، وما الفائدة إذا من الحساب ويوم القيامة؟ أو ليس هذا القول شبيهاً بقول اليهود الذين يدعون أنهم شعب الله المختار، اختارهم من بين سائر الناس، وأن لهم أن يفعلوا ما يشاءون فقد ضمنوا الجنة؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

يؤمن أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل يقبل يوم القيامة شفاعة شافعين من غير الأنبياء، من الشهداء والعلماء والصالحين وغيرهم، فقد وردت بذلك أحاديث كثيرة صحيحة، لا يجوز ردها ولا إنكارها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ)

رواه مسلم (٢٢٧٨)

فقوله صلى الله عليه وسلم (وأول شافع) يدل على كثرة الشفعاء يوم القيامة.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(يُخْرِجُ اللَّهُ قَوْمًا مُنْتِنِينَ قَدْ مَحَشَتْهُمْ النَّارُ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيُّونَ)

رواه أحمد (٣٨/٤٢٠) طبعة مؤسسة الرسالة وقال المحققون: حديث صحيح وهذا إسناد حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ)

رواه الترمذي (٢٤٣٨) وقال: حسن صحيح غريب.

ونحوها أحاديث شفاعة الشهيد في سبعين من أهل بيته، وأحاديث شفاعة المؤمنين لإخوانهم المعذبين في النار يوم القيامة فيخرجون من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأحاديث أخرى كثيرة.

يقول السفاريني رحمه الله:

" يجب أن يعتقد أن غير النبي صلى الله عليه وسلم من سائر الرسل والأنبياء والملائكة والصحابة والشهداء والصديقين والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون، وبقدر جاههم ووجاهتهم يشفعون، لثبوت الأخبار بذلك، وترادف الآثار على ذلك، وهو أمر جائز غير مستحيل، فيجب تصديقه والقول بموجبه لثبوت الدليل ... والحاصل أن للناس شفاعات بقدر أعمالهم، وعلو مراتبهم، وقربهم من الله تعالى، والقرآن يشفع لأهله، والإسلام يشفع لأهله، والحجر الأسود يشفع لمستلمه، ولكن لا يشفعون (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) " انتهى.

" لوامع الأنوار البهية " (٢/٢٠٩-٢١١) ، وانظر باب " شفاعة العلماء والشهداء يوم القيامة " في كتاب " الشريعة " للآجري.

ثانيا:

لا يجوز أن يكون الإيمان بهذه الشفاعة سببا في التقاعس عن العمل اتكالا عليها، فسبب النجاة الأول يوم القيامة هو العمل الصالح، فإذا قصر المسلم فيه فهو على خطر عظيم من أوجه كثيرة:

١-فهو لا يدري متى يشفع له الشافعون، وكم سيبقى في النار من أزمان وأحقاب، وإذا كانت نار الدنيا لا يقوى عليها أحد ساعة من نهار، فكيف يقوى على نار جهنم هذه الأزمان.

٢-ثم من هذا الذي يملك الجزم لأحد من البشر أنه من الشافعين يوم القيامة، الذين سيقبل الله شفاعتهم للناس، وإذا كنا لا نقطع لأحد بالجنة ولا بالشهادة، فكيف نطمئن إلى قبول شفاعة من نعرفهم من الشهداء والعلماء والصالحين.

٣-ثم إذا قبل الله شفاعة فلان أو فلان ممن نعرفهم من الناس، فهل نعرف إن كان الله سيقبل شفاعتهم فينا خاصة، والله عز وجل يقول: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء/٢٨. فهل نحن ممن يرضى ربنا أن يشفع الشافعون لنا؟!

هذه الأسئلة وغيرها تبعث في قلب المسلم الخوف من عقوبة الله، وترك الركون إلى أسباب الرجاء التي ليس لنا فيها من الله سلطان مبين.

إن الاغترار بمثل ذلك إنما هو علامة خذلان الله تعالى لعبده، نسأل الله العافية؛ فلتعلم ـ يا عبد الله ـ أنه لا شفاعة أعظم من شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب المقام المحمود، مقام الشفاعة، وأول شافع، وأول مشفع، ومع ذلك يحذر عشيرته، وأهل بيته، وأقرب الناس منه من الاغترار بذلك والتفريط في العمل:

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، قَالَ:

(يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!! وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا!!) . رواه البخاري (٢٥٤٨) ومسلم (٣٠٥) .

فهل يغتر عاقل بعد ذلك.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>