هل يجوز تغيير الوصية للمصلحة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي رحمة الله تعالى له ولجميع موتى المسلمين، وعمل وصية له ذكر فيها أن يعمل ثلث ما ورائه من مال لدور أرضي لفلة من أملاكه ذكره في الوصية يضحى له ولأخيه ووالدته وجدته والباقي يتصرف بها الوكيل المذكور بالوصية علماً ان لديه فله +عمارة من دورين وملحق علوي في حي شعبي + استراحة صغيرة يوجد بها دور. السؤال: هل يجوز أن ننقل الدور المذكور في الوصية إلى العمارة المذكورة، بحيث يصبح الوصية للعمارة كاملة، ونقوم بتوزيع التركة على الورثة، وهي الفلة كاملة +الاستراحة وذلك لما لدى بعض إخواني من ديون نستطيع أن نقوم بسدادها، حيث إن الفلة +الاستراحة يأتي بسعر جيد.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
يشترط في صحة الوصية أن لا تكون لوارث، إلا أن يقبل باقي الورثة بذلك. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) رواه أبو داود (٢٨٧٠) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
" وَلأَِنَّ فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ.
وَمَعْنَى الأَْحَادِيثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لَا تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ، إِلَاّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ
فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ.
"الموسوعة الفقهية" (٤٣ / ٢٤٦-٢٤٧) .
وبناء على ذلك: فإذا كان الذي سيستفيد من هذه الوصية هو بعض الورثة دون بعض، فلا يجوز إنفاذها، إلا بإذن باقي الورثة، فإن لم يأذنوا لم تنفذ من الأصل، لا في العمارة، ولا في الفلة، ولا في غيرها.
ثانيا:
تغيير الوصية:
تنفيذ وصية الميت واجب، وعدم تنفيذها أو تغيير حكمها، مع توفر شروط صحتها لا يجوز، ومرتكب ذلك آثم؛ لقول الله تعالى: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/١٨١
لكن إن كان تغييرها لأفضل مما أوصى به الموصي، فقد اختلف أهل العلم في جوازه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" تغيير الوصية لما هو أفضل فيه خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: إنه لا يجوز؛ لعموم قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه) البقرة/ ١٨١، ولم يستثن إلا ما وقع في إثم فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير.
ومنهم من قال: بل يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل؛ لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل، ونفع الموصى له، فكل ما كان أقرب إلى الله، وأنفع للموصى له، كان أولى أيضاً، والموصي بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل، وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به ...
والذي أرى في هذه المسألة: أنه إذا كانت الوصية لمعين، فإنه لا يجوز تغييرها، كما لو كانت الوصية لزيد فقط، أو وقف وقفاً على زيد، فإنه لا يجوز أن تُغير، لتعلق حق الغير المعين بها.
أما إذا كانت لغير معين - كما لو كانت لمساجد، أو لفقراء - فلا حرج أن يصرفها لما هو أفضل " انتهى.
"تفسير القرآن للعثيمين" (٤ / ٢٥٦) .
والخلاصة: أنه إذا كان المنتفع بالوصية أحد الورثة: لم يجز تنفيذها إلا بإذن باقي الورثة؛ فإذا لم يأذنوا: لم ينفذ منها شيء، وإن أذنوا: فمن حقهم أن ينقلوها إلى شيء آخر، كما ورد في السؤال؛ لأنه أصل الوصية لا ينفذ إلا بإذنهم، فتغيير صفة في الموصى به: أولى أن يرجع إلى إذنهم، ولهم أن يأذنوا في تنفيذ الوصية كلها، أو بعض منها.
وإن لم يكن المنتفع بالوصية أحد الورثة: لم يجز تغييرها إلا بإذن الموصى إليه، لأن الحق له، ولا يجوز التعدي على حقه، من أجل حظ باقي الورثة.
والله تعالى أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب