للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اشترك مع أبيه في شراء منزل، فهل للأب أن يسكن الأخ الأصغر فيه بدون إذنه؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أخي الأكبر ووالدي استهما على شراء منزل وكان لأخي النصيب الأكبر من هذا المنزل، واشتريا هذا المنزل بغاية أن يكون منزلاً لوالدي ووالدتي وأخي الأصغر الذي عمره الآن ٣٠ عاماً، والآن يريد والدي أن يزوج أخي الأصغر ويسكنه وزوجته في نفس المنزل، هنا اعترض أخي الأكبر على ذلك وطالب أبي بأن عليه أولاً طلب إذنه بإسكان أخي الأصغر وزوجته في هذا المنزل، بينما أبي لا يرى أي حق لأخي الكبير في هذا الطلب على اعتبار قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أنت ومالك لأبيك) ، وأن العائلة تساند بعضها، وأن أخي الأصغر سيكن معهم أيضاً لأجل رعايتهم (والدي ٧٧ عاماً ووالدتي ٧١ عاماً) ، وليس عند أخي الأصغر سعة من المال ليسكن وحده، وعلى أثر هذه المشكلة لا يريد أبي أن يكلم أخي الأكبر والذي بدوره لا يريد ذلك أيضاً حتى يقر والدي بأن له الحق في طلبه. مع العلم أن أخي الأكبر له منزل غير هذا المنزل.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

ما قام به أخوك من مشاركة والده في شراء منزل يسكن فيه والداه، عمل صالح، يرجى له به الأجر والثواب عند الله، وهو يحتمل أمرين:

الأول: أن يكون فعل ذلك على سبيل الهبة والتبرع لوالده، فيكون البيت حينئذ ملكاً للوالد يتصرف فيه كما يشاء، وله أن يسكن أحد أبنائه فيه إذا كان محتاجاً لذلك.

الثاني: أن يكون فعل ذلك محتفظاً بنصيبه – أي: لم يهبه ولم يتبرع به لوالده -، فيبقى ملكاً له، لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنه، باستثناء ما للوالد من حق في ذلك كما سيأتي.

ثانياً:

للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) رواه ابن ماجه (٢٢٩١) ، وابن حبان في صحيحه (٢ / ١٤٢) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.

وروى الإمام أحمد في مسنده برقم (٦٨٦٣) عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، قَالَ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا) .

وله طرق وشواهد يصح بها.

انظر: " فتح الباري " (٥ / ٢١١) ، و " نصب الراية " (٣ / ٣٣٧) .

ولكن هذا الأخذ مقيد بشروط بَيَّنها أهل العلم:

أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.

الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر.

الثالث: أن يكون الأب محتاجاً للمال، فلا يجوز له أن يأخذ ما لا يحتاجه عند جمهور الفقهاء؛ لما روى الحاكم (٢ / ٢٨٤) ، والبيهقي (٧ / ٤٨٠) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها) . والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (٢٥٦٤) .

قال ابن قدامة رحمه الله: " ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء , ويتملكه , مع حاجة الأب إلى ما يأخذه , ومع عدمها , صغيراً كان الولد أو كبيراً , بشرطين:

أحدهما: أن لا يجحف بالابن , ولا يضر به , ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.

الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد؛ وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه , فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى ...

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام , كحرمة يومكم هذا , في شهركم هذا) متفق عليه.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه , فلم يجز انتزاعه منه , كالذي تعلقت به حاجته " انتهى من "المغني" (٥/٣٩٥) .

وعلى هذا؛ فليس لوالدك أن يعطي شيئا من نصيب أخيك الأكبر لأخيك الأصغر، ولا أن يسكنه في البيت إلا بإذنه، وينبغي لأخيك أن يأذن بذلك ويرضى، لما في ذلك من مصلحة الوالدين، وصلة رحم أخيه وإحسانه إليه، والإذن بالسكنى ليس تمليكاً، بل هو إباحة للانتفاع، ويبقى ملك البيت مشتركاً بين الوالد والأخ الأكبر بقدر ما دفعا فيه من مال.

ثالثاً:

لا يجوز للأب أن يفاضل بين أبنائه في العطية، إلا بإذنهم، لكن إن كان أحدهم محتاجاً، جاز له أن يعطيه من باب النفقة لا العطية، كما لو احتاج أحدهم للسكن، فله أن يسكنه معه، أو يدفع له أجرة السكن.

قال ابن قدامة في "المغني" (٥/٣٨٨) : " فإن خصّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه , مثل اختصاصه بحاجة , أو زمانة , أو عمى , أو كثرة عائلة , أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل , أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه , أو بدعته , أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله , أو ينفقه فيها , فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك " انتهى.

وعليه؛ فلا حرج على والدك أن يخص أخاك الأصغر بأجرة السكن، أو بإسكانه معه في ملكه الخاص، ما دام لا يستطيع توفير السكن المناسب له، أو في ملكه المشترك بإذن أخيه الأكبر.

وينبغي أن تسعوا للتوفيق بين الوالد وأخيكم، ودعوتهما لما فيه الإحسان والبر والصلة.

ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>