هل يجوز للوالد التبرع بالمال وعليه وعلى أبنائه ديون مالية؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للوالد أن يتبرع بالأموال وهو عليه دين، وكذلك على أولاده ديون مالية؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
ينبغي للمسلم أن يسارع في أداء حقوق العباد، فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الأجل، وإذا مات الإنسان وعليه ديون فهو على خطر عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الشهيد ـ مع عظم منزلته عند الله ـ أنه يغفر له كل شيء إلا الدين. رواه مسلم (١٨٥٥) .
وهذا يدل على عظم شأن الديون، وعظم المسؤولية فيها.
فالذي ينبغي أن يبدأ الإنسان أولاً بسداد ما عليه من الديون، ثم إن بقي معه مال تصدق به إن شاء، بل قد تكون صدقته محرمة، إذا ترتب عليها تأخير الدين عن صاحبه، أو العجز عن السداد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"بعض الناس يكون عليه دين ثم يتصدق ويقول: أحب هذه الصدقة، وهذا حرام، كيف تتصدق وأنت مدين؟! أدِّ الواجب أولا، ثم التطوع ثانيا؛ لأن الذي يتصدق ولا يوفي الدين كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا، أنت الآن مطالب أن توفي دينك، كيف تتصدق؟! أَوْفِ، ثم تصدق" انتهى.
"شرح رياض الصالحين" (٣/٣٠٠) طبعة مكتبة الصفا.
وقال أيضا:
" قضاء الدَّين أهم من الحج، والريال الذي يصرفه في قضاء الدَّين خير من عشرة ريالات يصرفها في الحج " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/١، سؤال رقم/٣٥) .
وسئل أيضاً: سمعت من بعض الناس أن الصدقة المبذولة من شخص عليه دين غير مقبولة، ولا يؤجر عليها، فهل صحيح هذا؟
فأجاب:
"الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعا، والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها، والإنسان مثاب عليها، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، وهي مقبولة، سواء كان على الإنسان دين أو لم يكن عليه دين إذا تمت فيها شروط القبول، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل، ومن كسب طيب، ووقعت في محلها.
فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية.
ولا يشترط ألا يكون على الإنسان دين.
لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده، فإنه ليس من الحكمة، ولا من العقل أن يتصدق، والصدقة مندوبة وليست بواجبة، ويدع ديناً واجبا عليه، فليبدأ أولا بالواجب، ثم يتصدق.
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق [جميع ماله] : فمنهم من يقول إن ذلك لا يجوز له لأنه إضرار بغريمه وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب.
ومنهم من قال إنه يجوز، لكنه خلاف الأولى.
وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده لا ينبغي له أن يتصدق حتى يوفي الدين؛ لأن الواجب أهم من التطوع " انتهى باختصار.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الزكاة والصوم – حكم الزكاة، صدقة التطوع، زكاة الدين) (شريط/١٠٥ –وجه أ) .
فالذي ينبغي على الوالد أن يحرص على سداد ديونه قبل الصدقة، كي يبرئ ذمته من حقوق العباد.
وأما قضاء ديون أولاده، فإن كانت هذه الديون أخذوها من أجل النفقة، كالمسكن والملبس والمأكل وجب على الوالد سدادها، لأنه يجب عليه أن ينفق على أولاده إذا كانوا فقراء، وكان هو غنياً.
وإذا كانت هذه الديون ليست من أجل النفقة فلا يجب على الوالد سدادها، ولكن سدادها خير له وأعظم ثواباً من الصدقة على الغريب، لأنه إذا سدد ديون أولاده، أخذ ثواب الصدقة وثواب صلة الرحم والإحسان إلى الأولاد.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَة) رواه الترمذي (٦٥٨) والنسائي (٢٥٨٢) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي":
"يعني: أن الصدقة على الأقارب أفضل، لأنه خيران، ولاشك أنها أفضل من خير واحد" انتهى.
فتبين بذلك أن الأفضل للوالد أن يبدأ بسداد ديونه وديون أولاده، بل قد يكون ذلك واجباً في بعض الأحوال كما سبق تفصيله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب