الأفضل للحامل والمرضع أن تفطر إذا وجدت مشقة من الصيام
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الأفضل للحامل أن تفطر أو الأفضل لها أن تصوم وتتحمل المشقة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
من تأمل شريعة الصيام وجد أن الله تعالى شرعها على وجه اليسر، وأن اليسر فيها محبوب إلى الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى في آيات الصيام: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/١٨٥.
وإذا زادت المشقة على الصائم إلى حدٍّ يخاف منه حصول الضرر فإنه يحرم الصيام حينئذٍ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في المسافر الذي صام مع شدة المشقة: (لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ) رواه البخاري (١٩٤٦) ومسلم (١١١٥) . وقال أيضاً لما صام بعض الصحابة في السفر مع المشقة، قال: (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) . رواه مسلم (١١١٤) .
قال النووي:
" وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ " انتهى.
وثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ) رواه البخاري (٣٥٦٠) ومسلم (٢٣٢٧) .
قال النووي رحمه الله:
فِيهِ: اِسْتِحْبَاب الأَخْذ بِالأَيْسَرِ وَالأَرْفَق مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا اهـ.
وروى أحمد (٥٨٣٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٥٦٤) .
فهذه الأدلة تدل على أن العبادة كلما كانت أيسر على المكلف كانت أقرب إلى مقاصد الشريعة.
ثانياً:
وقد ذكر العلماء أن المريض الذي يشق عليه الصوم الأفضل له الفطر، بل قال القرطبي (٢/٢٧٦) : يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل اهـ.
وذكر ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (٤/٤٠٤) : كراهة الصوم للمريض الذي يشق عليه الصوم.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (٦/٣٥٢) :
وبهذا نعرف خطأ بعض المجتهدين والمرضى الذين يشقّ عليهم الصوم وربّما يضرّهم، ولكنهم يأبون أن يفطروا، فنقول: إن هؤلاء قد أخطأوا حيث لم يقبلوا كرم الله عز وجل، ولم يقبلوا رخصته، وأضرّوا بأنفسهم، والله عز وجل يقول: (وَلا تَقْتُلُوا) النساء/٢٩. انتهى.
انظر: السؤال رقم (١٣١٩) .
وبهذا يتبين أن الحامل ومثلها المرضع إذا كان الصوم يشق عليها فإن الأفضل لها الفطر، بل صرح العلماء بتحريم صيامها، إذا كان الصوم يضر الجنين أو الولد.
قال الجصاص في "أحكام القرآن" (١/٢٥٢) :
وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ لا تَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِهِمَا الصَّوْمُ أَوْ بِوَلَدَيْهِمَا , وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالإِفْطَارُ خَيْرٌ لَهُمَا وَالصَّوْمُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ لا يَضُرُّ بِهِمَا وَلا بِوَلَدَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الصَّوْمُ وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمَا الْفِطْرُ.
وقال أيضاً (١/٣٠٧) :
الْمَرِيض وَالْحَامِل وَالْمُرْضِع وَكُلَّ مَنْ خَشِيَ ضَرَرَ الصَّوْمِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى الصَّبِيِّ , فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ ; لأَنَّ فِي احْتِمَالِ ضَرَرِ الصَّوْمِ وَمَشَقَّتِهِ ضَرْبًا مِنْ الْعُسْرِ , وَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ إرَادَةَ الْعُسْرِ بِنَا ; وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا.
وقال ابن مفلح في الفروع (٣/٣٥) :
وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مَعَ خَوْفِ الضَّرَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ. . . .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ خَافَتْ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ عَلَى حَمْلٍ وَوَلَدٍ حَالَ الرَّضَاعِ لَمْ يَحِلَّ الصَّوْمُ وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. وَإِنْ لَمْ تَخَفْ لَمْ يَحِلَّ الْفِطْرُ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر "
" تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " ص ١٧١
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب