للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معنى أن الله تعالى في السماء أنه سبحانه يعلو السماء

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد قرأت عدة ترجمات باللغة الانجليزية للقرآن الكريم , وعندما قرأت تفسير بعض الآيات أصبح عندي نوع من الضياع والوساوس. قال تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) فالتفاسير التي قرأتها تقول أن الله في السماء، وهذا خلاف ما أنا مؤمن ومعتقد به، وما قرأته ـ أيضا ـ في بعض التفاسير، وهو أن الله فوق السماء. كما أنني قرأت في بعض التفاسير، في قول الله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) ، يقول: " استوى بمعني أرتفع وعلا "، علواً يليق بجلاله جل في علاه. وسأكون ممتناً جداً لفضيلتكم إذا ما شرحتم هذا لي بالتفصيل الدقيق.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

في مسألة علو الله تعالى على خلقه واستوائه جل وعلا على عرشه قاعدتان مهمتان يجب تقريرهما والتنبيه عليهما:

القاعدة الأولى: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه المحكم المبين، حيث وصف نفسه بالعلو على جميع خلقه، وباستوائه عز وجل على عرشه بعد أن خلق السماوات والأرض، وذلك في آيات محكمات بينات من الذكر الحكيم:

يقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل/٤٩-٥٠. ويقول جل وعلا: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) الملك/١٦-١٧.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤) ويقول أيضا: (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (رقم/١٩٢٤) وقال: حسن صحيح. ويقول أيضا (لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي) رواه البخاري (رقم/٣١٩٤) ومسلم (٢٧٥١)

وانظر جواب السؤال رقم: (٩٩٢) ، (٩٥٦٤) ، (١١٠٣٥) ، (٤٧٠٤٨)

القاعدة الثانية: أن الله عز وجل لا يحيط به شيء من خلقه، ولا تحويه مخلوقاته، وهو سبحانه غني عنها، فقد تنزه عن الحاجة إليها، وتعالى أن يحيط به المخلوق المحدَث الناقص.

يقول الله عز وجل: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الأنعام/١٠٣.

ويقول تعالى: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) طه/١١٠.

ومن هاتين القاعدتين يقرر أهل السنة أن علو الله تعالى على عرشه وعلى جميع خلقه يعني كونه سبحانه وتعالى فوق المخلوقات كلها، فوق السماء، وفوق الجنة، وفوق العرش، وأنه سبحانه وتعالى لا يحويه شيء من هذه المخلوقات، ولا يحتاج إلى شيء منها، بل هو خالقها والقيوم عليها، وأن النصوص التي تصف الله تعالى بأنه (في السماء) تعني أنه سبحانه عالٍ على خلقه، ولا تعني أنه عز وجل تحويه السماء وتحيط به، وذلك لأن السماء هنا بمعنى العلو، وليست السماء المخلوقة، أو يقال بأن حرف الجر (في) هنا بمعنى: على، أي: على السماء.

ثبت عن علي بن الحسن بن شقيق، شيخ البخاري، قال:

قلت لعبد الله بن المبارك: كيف نعرف ربنا؟

قال: في السماء السابعة على عرشه. وفي لفظ: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض.

فقيل لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا.

قال الإمام الذهبي معلقا على هذا الأثر:

" هذا صحيح ثابت عن ابن المبارك، وأحمد رضي الله عنهما، وقوله: " في السماء " رواية أخرى، توضح لك أن مقصوده بقوله " في السماء " أي: على السماء، كالرواية الأخرى الصحيحة التي كتب بها إلى يحيى بن منصور الفقيه " انتهى.

" العرش " (٢/١٨٩)

وننقل هنا كلام أهل العلم الذي يشرح ويوضح هذا الموضوع:

يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:

" وأما قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/١٦ فمعناه مَن على السماء يعني على العرش، وقد يكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) التوبة/٢ أي: على الأرض. وكذلك قوله: (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) طه/٧١ " انتهى.

" التمهيد " (٧/١٣٠) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" السلف والأئمة وسائر علماء السنة إذا قالوا " إنه فوق العرش، وإنه في السماء فوق كل شيء " لا يقولون إن هناك شيئا يحويه أو يحصره أو يكون محلا له أو ظرفا ووعاء سبحانه وتعالى عن ذلك، بل هو فوق كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكل شيء مفتقر إليه، وهو عالٍ على كل شيء، وهو الحامل للعرش ولحملة العرش بقوته وقدرته، وكل مخلوق مفتقر إليه، وهو غني عن العرش وعن كل مخلوق.

وما في الكتاب والسنة من قوله: (أأمنتم من في السماء) ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن " السماء " هي نفس المخلوق العالي، العرش فما دونه، فيقولون: قوله (في السماء) بمعنى " على السماء كما قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، وكما قال: (فسيروا في الأرض) أي: على الأرض.

ولا حاجة إلى هذا، بل " السماء " اسم جنس للعالي، لا يخص شيئا، فقوله: (في السماء) أي: في العلو دون السفل.

وهو العلي الأعلى فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى " انتهى.

" مجموع الفتاوى " (١٦/١٠٠-١٠١) .

والخلاصة: أن ما تعقتده من أن الله تعالى مستو على عرشه، فوق سمائه، وفوق جميع خلقه، هو الذي يجب على كل مؤمن اعتقاده، وما قرأته في التفاسير المشار إليها من أن الله تعالى في السماء، هو أيضا صحيح، موافق لما تعتقده، قد نطق به الكتاب والسنة، لكن بشرط أن يفهم أن السماء هنا تعني: جهة العلو، أو أن في تعني: على، كما فصلناه في الجواب؛ فإن كان المفسر يريد معنى آخر سوى ما ذكرنا، فكلامه مردود، ويحسن بك أن تزودنا بكلامه كاملا، حتى نرى ما فيه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>