اقتداء النساء في بيت مجاور للمسجد بإمام المسجد
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأت الفتوي رقم (٤٥٦١١) فما قولك يا شيخ وأن معظم مساجدنا تجعل مصلى النساء أعلى المسجد، فهل هذا عدم اتصال للصفوف؟
أما السؤال فهو: عندنا مسجد بالحي به مصلي للنساء بأعلاه، وفي صلاة التراويح يكتظ المسجد بشكل هائل عند النساء، وفي يوم نقل إلينا إمام المسجد فتوى بأن صلاة نساء الحي في بيوتهن خلف إمام المسجد جائزة بشرط سماع الإمام بحيث يُعلم من صلاته حركاتها وسهوها.. إلخ وعلي إثر ذلك قام أحد أصحاب البيوت المجاورة للمسجد بتوفير مكان واسع للنساء في منزله لصلاة التراويح خلف الإمام، والآن سألت إحدى النساء بعد فتوى الشيخ: هل يصح لي أن أصلي في حجرتي وراء الشيخ؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان مصلى النساء أعلى المسجد، أو أسفله، فصلاتهن صحيحة، لأن من كان داخل المسجد لا يشترط له اتصال الصفوف، بغير خلاف بين العلماء، وإنما اشتراط الصفوف لمن صلى خارج المسجد. ينظر: الإنصاف (٢/٢٩٣) .
وقد سئل الشيخ لابن عثيمين رحمه الله: ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط؟
فأجاب: "يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء، فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام؛ لأن المكان واحد، والاقتداء ممكن سوء كان عن طريق مكبر الصوت، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه، أو بصوت المبلغ عنه، ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين، وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد، فإن الفقهاء يقولون يصح اقتداء المأموم الذي خارج المسجد أن رأى الإمام أو المأمومين، على أن القول الراجح عندي أنه لا يصح للمأموم أن يقتدي بالإمام في غير المسجد وإن رأى الإمام المأموم إذا كان في المسجد مكان يمكنه أن يصلي فيه، وذلك لأن المقصود بالجماعة الاتفاق في المكان وفي الأفعال , أما لو امتلأ المسجد وصار من كان خارج المسجد يصلي مع الإمام ويمكنه المتابعة فإن الراجح جواز متابعته للإمام وائتمامه به سواء رأى الإمام أم لم يره إذا كانت الصفوف متصلة. وزيادة في بيان المسألة أقول:
أولا: إذا كان المأموم في المسجد فائتمامه بالإمام صحيح بكل حال , سواء رأى الإمام أم لم يره , رأى المأمومين أم لم يرهم؛ لأن المكان واحد.
ومثاله: أن يكون المأموم في الطابق الأعلى , أو في الطابق الأسفل , والإمام فوق , أو يكون بينهم حاجز من جدار أو سترة.
ثانيا: إذا كان المأموم خارج المسجد فإن كان في المسجد سعة فائتمامه بالإمام لا يصح سواء رأى الإمام, أو المأموم, أو لم يرهما؛ لأن الواجب أن يكون مكان الجماعة واحدا.
ثالثا: إذا لم يجد مكانا في المسجد وكان خارج المسجد فإن كانت الصفوف متصلة صح أن يأتم بالإمام وإن لم يره، لأن الصفوف المتصلة كأنهم في المسجد " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (١٥/٢١٣) .
ثانيا:
صلاة النساء في دار مجاورة للمسجد، بحيث لا يرين الإمام ولا المأمومين، ولا تتصل الصفوف، وإنما يسمعن الصوت فقط، مختلف فيها بين أهل العلم، فمنهم من منعها، ومنهم من صححها.
وكلام الشيخ ابن عثيمين السابق يؤخذ منه أنها تصح إذا اتصلت الصفوف بالبيت الذي تصلي فيه المرأة، فلا حرج عليها حينئذ من الصلاة في بيتها، أما إذا لم تتصل الصفوف ببيتها فلا تصح صلاتها في البيت مع إمام المسجد.
وقال النووي رحمه الله: " لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد، وحال بينهما حائل لم يصح عندنا، وبه قال أحمد.
وقال مالك: تصح إلا في الجمعة. وقال أبو حنيفة: تصح مطلقا" انتهى من "المجموع" (٤/٢٠٠) .
وقال ابن قدامة: " فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام، أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان:
إحداهما: لا يصح الائتمام به. .......
والثانية: يصح ...
واختار القاضي أنه يصح إذا كانا في المسجد، ولا يصح في غيره " انتهى من "المغني" (٣/٤٥) .
والمعتمد في مذهب الحنابلة هو عدم صحة الاقتداء. انظر: الإنصاف (٢/٢٩٦) ، كشاف القناع (١/٤٩١) .
فتحصل من هذا أن أهل العلم مختلفون في صحة هذا الاقتداء، ولهذا فالأحوط لهؤلاء النسوة أن يصلين في مسجد آخر يتسع لهن، أو يقدمن من تؤمهن في الصلاة، ولو من المصحف، فهذا خير لهن من أداء عبادة مختلف في صحتها.
وقد أفتت اللجنة الدائمة بعدم صحة الاقتداء في مثل هذه الصورة إلا إذا كانت الصفوف متصلة، فقد سئلت: ما حكم من صلى جماعة في منزله مكتفيا بسماع مكبرات الصوت من المسجد، ولم يتصل بين الإمام والمأموم ولو بواسطة وذلك واقع مكة والمدينة في الموسم؟
فأجابت:
" لا تصح الصلاة، وهذا مذهب الشافعية وبه قال الإمام أحمد، إلا إذا اتصلت الصفوف ببيته، وأمكنه الاقتداء بالإمام بالرؤية وسماع الصوت، فإنها تصح، كما تصح صلاة الصفوف التي اتصلت بمنزله، أما بدون الشرط المذكور فلا تصح؛ لأن الواجب على السلم أن يؤدي الصلاة في الجماعة في بيوت الله عز وجل مع إخوانه المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال الحافظ: إسناده على شرط مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي سأله أن يصلي في بيته: (هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب) أخرجه مسلم في صحيحه" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (٨/٣١) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإٍسلام سؤال وجواب