مشكلة بين الأب والأم بسبب تأخر مستوى الأولاد التعليمي
[السُّؤَالُ]
ـ[لدينا ابن ليس جيِّداً في مستواه الدراسي، وقد أساء والده في تربيته، وعند بلوغه الصف السادس تعلم كلمة نابية وأطلقها على أخيه، وعندما هممت بعقابه منعني والده عنه، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن لأول مرة آخذ موقفاً، فتخليت عن تدريسه، وبعد فترة تدنَّى فيها مستواه، وطلب مني والده تدريسه فشرطت عليه أن لا يحول بيني وبين تأديبه، وألا يحرمني من الذهاب إلى دور التحفيظ مهما حصل، حيث إنه كان يوافق تارة ويمنعني تارة أخرى ليس لشيء إلا لفرض السيطرة، وافق، فتعهدته بالتدريس، وذهبت إلى التحفيظ - المستوى الأول -، وبعد أن وفقنا الله ونجحنا جميعنا في الدراسة وبدأت السنة الدراسية الجديدة: منعني زوجي أن أكمل دراستي في الدار بدون إبداء سبب مقنع، فتدنت همتي ولم أجتهد في تدريس ابني، وكانت النتيجة رسوبه في النصف الأول من العام الدراسي الجديد، وعند اقتراب الامتحانات النهائية طلب زوجي أن أدرس هذا الابن، فسألته قائلة: هل أدرسه وتوافق على ذهابي إلى التحفيظ في السنة القادمة إن شاء الله؟ فثار، وقال: أنتِ السبب إذن في رسوبهم، وكل طلباتك مرفوضة، وما فيك خير، والله لا يشكر فضلك، ومنذ ذلك اليوم حرمني من الخروج، ودائما يسبني من ورائي أمام أبنائه، لدرجة أن قال لهم " أمكم أخليها في البيت مثل الشيطانة، لا أخرجها ولا أوديها "، وينوي حرماني حتى من زيارة أهلي. فهل تدريس الأبناء واجب شرعي أستحق على تركه العقاب؟ وما حكم إصراري على الذهاب إلى التحفيظ حيث إني أنشغل به عن الوقوع في المعاصي التي غرقت فيها هذه السنة التي أجبرت فيها على ترك الدراسة؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
تربية الأولاد مسئولية مشتركة بين الوالديْن، وإذا حصل التعارض والتناقض في تربيتهم أثمر ذلك ثماراً فاسدة على الأولاد، فساءت أخلاقهم، وتشتت شملهم، لذا يجب على الوالدين أن يحسنا تربية أولادهم، وأن لا يقع بينهما تناقض أو تعارض، وبخاصة إذا كان هذا أمام أولادهم، ويجب أن يتفقا على الوسائل الشرعية التربوية في معالجة أخطاء أولادهم، فلا يرى أحد المعاقبة على الخطأ وينكر عليه الآخر ويرى مسامحته إلا أن يكون ذلك باتفاق بينهما وتشاور، حتى يعلم الولد أنهما اتفقا على المسامحة شفاعة من الآخر لإعطائه فرصة أخرى لإصلاح نفسه، أما أن يعترض طرف على الطرف الآخر أمام ولدهم المخطئ، ويعنف في الكلام ويسيء في الأدب: فإن هذا خطأ؛ ينعكس على تصرف الأولاد.
ومما يدل على المسئولية المشتركة بين الأب والأم في تربية أولادهم:
١. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/٦.
٢. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) . رواه البخاري (٨٥٣) ومسلم (١٨٢٩) .
وانظري جواب السؤال رقم (١٠٠١٦) ففيه مزيد فائدة.
ثانياً:
مسئولية الوالد في تربية ولده ينبغي أن تكون من أولى اهتماماته، فالرجل يملك الحكمة والتجربة والقوة ويستطيع بالمخالطة بغيره أن يتوصل لأنجع الوسائل والطرق في تربية ولده، وقد اشتد حرص السلف على مباشرة مهمة تربية أولادهم، كما ذكر أن الخليفة العباسي المنصور بعث إلى مَنْ في السجن من بني أمية يقول لهم: ما أشد ما مر بكم في هذا السجن؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.
ويظن بعض الآباء أن تربية الأبناء والقيام على هذه الأمانة هو بتوفير الطعام والشراب واللباس والسكن لهم، وهو تصور باطل بعيد كل البعد عن شرع الله.
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -:
الإحسان إلى البنات - ونحوهن - يكون بتربيتهن التربية الإسلامية، وتعليمهن، وتنشئتهن على الحق، والحرص على عِفَّتهن، وبُعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وهكذا تربية الأخوات والأولاد الذكور، إلى غير ذلك من وجوه الإحسان، حتى يتربى الجميع على طاعة الله ورسوله، والبعد عما حرم الله، والقيام بحق الله سبحانه وتعالى، وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا.
" مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز " (٤ / ٣٧٧) .
ثالثاً:
وأولى ما ينبغي عليكم العناية به والاهتمام بتحقيقه هو تعليم أولادكم العقيدة الإسلامية الصحيحة، والأحكام الشرعية، والأخلاق الفاضلة، فهذا أولى من غيره، ولا مانع من أن يدرس علوماً أخرى دنيوية، على أن تكون ظروف دراسته شرعية، فلا اختلاط مع الفتيات، ولا الدراسة في مدارس تنصيرية، ولا دراسة مناهج كفرية أو فسقية.
وفي فتوى رقم (٤١٧٢) وتاريخ ٤ / ١٢ / ١٤٠١ هـ من " اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " بالمملكة العربية السعودية، جاء فيها:
رابعاً: يجب على جميع المسلمين رعاةً ورعيةً العناية بتعليم الأولاد ذكوراً وإناثاً الإسلام الحق عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً وآداباً، ولا يجوز تفريغ برامج التربية والتعليم من ذلك ولا مزاحمة دين الإسلام بغيره من العقائد والمذاهب والآراء الباطلة.
خامساً: ليعلم كل مسلم استرعاه الله رعية أن الله عز وجل سيسأله عن هذه الأمانة التي حملها فإن كان أداها على الوجه الأكمل ونصح لها فليحمد الله، وإن كان غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة) . انتهى
فالمسئولية مشتركة في التعليم والتوجيه، كلٌّ حسب طاقته وقدرته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يجوز للأب أن يلقي عبء دراسة الولد على أمه ويقف موقف المتفرج، ويغفل هو عنه أو يتغافل، كما لا يجوز للأم أن تفعل الشيء نفسه، فهي مسئولية مشتركة في العناية والتربية والتعليم، فإذا كان الأب من العاملين الكادِّين والأم متفرغة فيكون حملها أثقل، والعكس بالعكس، وينبغي التشاور والتفاهم حتى تؤدَّى الرسالة على أكمل وجه، والأصل في التوجيه والمسئولية الأب لا الأم.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
البنون والبنات لهم راعٍ يرعاهم، إذا كانوا صغاراً: فإن الذي يرعاهم ويدير شئونهم هو أبوهم أو أخوهم الأكبر، (الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) ، فيجب على أولياء الأمور ورعاة البيوت أن يحملوا أهليهم على عبادة الله عز وجل، وعلى الحرص في طلب العلم، وأن يشجعوا الأولاد، يقول: تعال يا بني! ماذا حفظت اليوم؟ اقرأ عليَّ ما حفظت؛ حتى يتشجع ويعلم أن وراءه من يتابعه، وكذلك يقال في البنات، شجِّعهم، احملهم على العلم، احملهم على العمل به، ألِّف قلبك إلى قلوبهم، لا تكن كبعض الآباء يكون في بيته كالخشبة المسندة لا يحرك ساكناً، فإن الإنسان مسئول عن أسرته ورعيته.
" اللقاء الشهري " (٦٧) .
رابعاً:
وصيتنا لأختنا السائلة أن لا تخرج من بيتها من غير إذن زوجها ورضاه، ولو لتعلم القرآن أو تعليمه؛ فإن طاعة الزوج واجبة، وخروج المرأة من غير إذن زوجها محرَّم، والضغط عليه لإجباره على خروجها أيضاً لا يجوز، ولا تفتحي على نفسكِ باباً من الشر بالخروج بهذه الطريقة، ويمكنك تقسيم الوقت بين تعليم ولدك وتعلمك، ومن ثم إقناع زوجك بهذا التقسيم، وظننا به أن يقدِّر هذا الأمر منكِ ويكون سبيلاً للتفاهم على كلا الأمرين.
ولتعلمي يا أختنا أن زوجك ليس آثماً بمنعك من الخروج لحلقات تحفيظ القرآن، والإثم فقط في حال منعك من الصلاة في المسجد أو تعلم علم واجب لا يمكنك تعلمه في البيت، وقد يسَّر الله تعالى للناس سبل العلم، فتستطيع المرأة أن تقرأ الكتب وتسمع الأشرطة في كل فنون العلم، ولا يقف بينها وبين الاستفادة من الطرق الحديثة في التعلم شيء، ولن ترى في خروجها أكثر مما تراه في بيتها لو أنها أرادت، كما يمكنك عقد حلقة من أخوات مستقيمات للحفظ والعلم في بيتك دون الحاجة للخروج منه.
وبكل حال: قدِّمي ما تستطيعين من عناية ورعاية وتعليم لابنك، وعاشري زوجك بالمعروف، وقومي بما أوجبه الله تعالى عليك تجاهه، وسترين ثمار ذلك في نفسك وزوجك وأولادك إن شاء الله تعالى.
خامساً:
ووصيتنا للزوج أيضاً أن يحسن العشرة مع زوجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِه) رواه الترمذي (٣٨٩٥) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٣٨٥) .
فإذا رأى أن خروجها إلى دار التحفيظ فيه فائدة لها، وتعود تلك الفائدة على أولادها بل على البيت بأكمله، فلماذا يمنعها من ذلك الخير؟ ثم تسوء العلاقة بينه وبينها، لأنها تراه منعها من أمر كان نافعاً لها، فالذي ينبغي أن تكون الحياة بينكما قائمة على التفاهم والمشاركة في المسئولية، وحرص كل طرف على ما ينفع الآخر.
واعلم أيها الزوج أن إرضاءك لزوجتك وإسعادك لها في غير معصية الله سيعود بالنفع عليك وعلى أولادك، نسأل الله تعالى أن يجمع بينكما على خير، وأن يوفقكما لما فيه نفعكما في الدنيا والآخرة.
سادساً:
وهذه كلمات لبعض المتخصصين في بيان الدور المشترك بين الأب والأم في تربية الأولاد وتعليمهم:
تساءلت أم مستنكرة: لماذا يتهم الزوج زوجته بالتقصير والإهمال إذا لم يحصل الابن على درجات عالية ويتناسى واجبه الذي لا غنى عنه نحوهم في هذا الأمر؟
وقال الدكتور محمود أبو دف أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية بغزة: "على كل من الأب والأم أن يتعاونا في هذه المسألة، فيقوم الأب بسد النقص الذي قد لا تتمكن من فعله الأم لانشغالها أو لعدم إلمامها بالمادة العلمية بصورة كافية.
وشدد الدكتور "أبو دف" على ضرورة أن يكون للآباء دور فاعل ومؤثر في عملية متابعة النشاط الدراسي للأبناء حيث يُشعرهم ذلك بمدى الالتزام.
وعزا هروب الآباء إلى وجود نظرة سلبية ترسبت في أذهانهم، وهي أن الدور التعليمي من مهام الأم مثله مثل أي عمل داخل المنزل، واستطرد موضحا: "وهذا خطأ فادح؛ فهذه المهمة بالدرجة الأولى تربوية وبحاجة إلى تكامل الأدوار بين الزوجين، ويجب أن يدرك الأب أن دوره لا يكون فقط خارج المنزل حيث توفير لقمة العيش ومستلزماتها بل هناك أدوار بالغة الأهمية داخل المنزل ومنها تدريس الأبناء؛ فهي ليست مهمة عادية.
وطالب الآباء بضرورة زيادة وعيهم وإحساسهم تجاه هذه المسألة حتى لا تنعكس الخلافات حولها على الأسرة والأبناء.
وقال الأستاذ "أسامة المزيني" المحاضر بكلية التربية بالجامعة الإسلامية: على الأب أن يهتم بمتابعة النشاط الدراسي لأبنائه كجزء مهم من أولوياته.
وقال أيضاً: الزوجة شريكة حياتك، وفي اهتمامك بدروس الأبناء ومذاكرتهم تكون قد أديت دورك في الشراكة، وإلا فاسأل نفسك: أين دوري؟ وتذكر أن هناك ما هو أهم من توفير الحياة المادية للأبناء ألا وهو الاهتمام بمستقبلهم العلمي.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب