للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم التأجير المنتهي بالتمليك مع اشتراط الصيانة على المستأجر

[السُّؤَالُ]

ـ[ذهبت لشراء سيارة من أحد معارض السيارات، بنظام: "التأجير المنتهي بالتمليك" وكان من بنود العقد: أن نفقات الصيانة خلال مدة التأجير تكون على المستأجر، وليس على المعرض، فهل هذا جائز؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

عقد الإجارة المنتهي بالتمليك، له صور، منها الجائز، ومنها الممنوع. ومن الصور الجائزة: أن يقترن بعقد الإجارة وعدٌ بالبيع، ثم إذا انتهت الإجارة أجرى الطرفان عقد البيع بما يتفقان عليه من الثمن، فهذا جائز.

ومنها: أن يقترن عقد الإجارة بعقد هبةٍ للعين معلقا على سداد كامل الأجرة، أو بوعدٍ بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، فهذا جائز.

ويشترط في جميع الصور الجائزة أن تكون الإجارة حقيقية، غير ساترة للبيع , فيكون ضمان السلعة المؤجرة أي السيارة أو العقار على المؤجِّر (الشركة) ، لا على المستأجر، وكذلك نفقات الصيانة تكون على المؤجِّر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة، وهذا بخلاف البيع، فإن الضمان فيه والصيانة كلها على المشتري، لأنه يملك السلعة بمجرد العقد، ويكون ضمانها عليه إذا استلمها.

وفي حال اشتمال العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميا لا تجاريا، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر، سواء كان التأمين شاملا أو جزئيا؛ لأن ضمان العين المؤجرة عليه لا على المستأجر، ولا يضمنها المستأجر إلا إذا حصل منه تعدٍّ أو تقصير.

فتحصل من ذلك أنه يشترط لصحة العقد أمور:

١- أن يكون ضمان العين على المالك لا على المستأجر.

٢- أن تكون الصيانة - غير التشغيلية - على المالك خلال مدة الإجارة كلها.

٣- أنه لا يجوز إلزام المستأجر بالتأمين، بل التأمين على المالك.

وهذه الأمور جاء منصوصا عليها في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وسبق نقله في جواب السؤال رقم (٩٧٦٢٥) .

ومما ورد فيه بشأن الصيانة: " تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجِّر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة ".

وأما الصيانة التشغيلية، ويراد بها ما تحتاجه الآلة للاستمرار في العمل كالزيت ونحوه، فهذه تكون على المستأجر.

وقد ذهب بعض العلماء ـ وهو رواية عن الإمام أحمد، كما في "المغني" (٥/٣١١) – إلى أنه يجوز أن يشترط المؤجِّر على المستأجر أن يكون ضمان العين المؤجرة عليه، فلعل المعرض قد استفتى من أفتاه بهذا القول.

وهذا القول مخالف لما اعتمده مجمع الفقه الإسلامي كما سبق، ومخالف أيضا لما عليه جمهور الفقهاء.

قال في "درر الحكام شرح مجلة الأحكام" (١/٥١٤) : " إذا شرط الضمان على المستأجر في حال تعيب أو هلاك المأجور بلا تعد ولا تقصير، أو شرط رد المأجور إلى المؤجر بلا عيب تكون الإجارة فاسدة " انتهى.

وصرح المالكية أيضا بفساد الإجارة عند اشتراط الضمان على المستأجر. ينظر: "المدونة" (٣/٤٥٠) ، "بلغة السالك" (٤/٤٢) .

وقال في "المغني" (٥/٣١١) : " فإن شرط المؤجِّر على المستأجر ضمان العين , فالشرط فاسد ; لأنه ينافي مقتضى العقد. وهل تفسد الإجارة به؟ فيه وجهان , بناء على الشروط الفاسدة في البيع. قال أحمد فيما إذا شرط ضمان العين: الكراء والضمان مكروه. وروى الأثرم , بإسناده , عن ابن عمر , قال: لا يصلح الكراء بالضمان. وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون: لا نكتري بضمان , إلا أنه من شرط على كري أنه لا ينزل متاعه بطن واد , أو لا يسير به ليلا , مع أشباه هذه الشروط , فتعدى ذلك , فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي , فهو ضامن , فأما غير ذلك , فلا يصح شرط الضمان فيه , وإن شرطه لم يصح الشرط " انتهى.

والعلة التي من أجلها حكم العلماء بفساد الإجارة إذا تم الاتفاق مع المستأجر على أن ضمان العين المستأجرة عليه: أن تكاليف هذا الضمان مجهولة، فقد يتكلف الكثير أو القليل من المال، أو لا يتكلف شيئاً، حسب الأعطال التي تحصل للسيارة، وهذه الجهالة تفسد العقد، لأن من شروط صحة عقد البيع ـ وكذلك الإجارة ـ: علم المؤجِّر والمستأجر بالأجرة المدفوعة.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (١/٢٨٦) : "ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر , لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة , فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتفاق المذاهب" انتهى.

ولهذا، فالذي يظهر لنا رجحانه ـ والله أعلم ـ هو ما ذهب إليه جماهير العلماء، وهو المعتمد عند أئمة المذاهب الأربعة، وبه صدر قرار المجمع الفقهي: أن صيانة العين المستأجرة يجب أن تكون على المؤجِّر، ولا يجوز أن يلزم بها المستأجر، وهذا من الأمور التي تميز عقد الإجارة من البيع.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>